شيع مسؤولون ومواطنون ورجال التعليم في السعودية وزير التربية والتعليم الأسبق الدكتور محمد الرشيد الذي وافته المنية بمنزله في الرياض البارحة الأولى إلى مقبرة أم الحمام، وشهد مراسم العزاء نائب أمير منطقة الرياض الأمير تركي بن عبدالله، وجموع من مسؤولين حكوميين من قطاعات عدة، ومواطنون. ولأنه كان يرى الحل في التغيير والتطوير لم يعرف التعليم السعودي مسؤولاً مثيراً للجدل كما كان وزير التربية والتعليم السابق الراحل الدكتور محمد الرشيد، فالوزير المسؤول عن دمج الرئاسة العامة لتعليم البنات مع وزارة التربية والتعليم وتطوير المناهج التي تدرس اليوم، أمضى تسعة أعوام ملتهبة وزيراً للتربية والتعليم بين عامين 1996 و 2005، وصلت إلى حد تهديده بالقتل. وفضلاً عن المصاعب المالية التي كان يعانيها الاقتصاد السعودي في تلك الفترة، وهو ما استدعته إلى خفض رواتب المعلمين والمعلمات الجديد، خاض فيها معارك عدة مع أعداء أي تغيير في المناهج الدراسية ولا سيما الدينية، ولطالما اتهموه بالتغريب مع كل محاولة لتطوير المقررات وأسلوب إدارة أكبر وزارة في البلاد. لكن الرشيد الذي أمضى نحو أربعة عقود في الحقل التربوي معلماً وعميداً ومديراً مكتب التربية الخليجي وعضو شورى ووزيراًً، لم تتوقف معاركه بعد خروجه من وزارة التربية والتعليم، إذ بقي يناضل من أجل ما يراه خطأً في أداء وزارة التربية والتعليم، سواء بمقالاته الصحافية، أو عبر الندوات والمحاضرات التي كان يواظب على إلقائها. وكان من بين محاضراته الأخيرة البارزة محاضرة «رؤيتي.. لتطوير مناهج التربية الدينية» التي ألقاها في تشرين الأول (أكتوبر) العام الماضي، وشن من خلالها هجوماً على المناهج الدينية واعتبرها لا تربي النشء بقدر ما تزيد من إسقاطهم في الحضيض». ولعل ما رواه الرشيد في تلك المحاضرة، التي حضرتها «الحياة»، عن مصاعب كان يصادفها وهو وزير يلخص جزءاً من سيرته في الوزارة، إذ أشار إلى أنه حاول مراراً إصلاح التعليم والمناهج حينما كان وزيراً للتربية والتعليم، ولكنه في كل مرة كان يتقدم فيها خطوة يتصدى لها من سماهم ب«الفازعين» الذين يهولون الأمر. وحين ضاقت به الحال شكا إلى ولي الأمر الذي وجه بتشكيل لجنة للتطوير برئاسة ولي العهد الراحل الأمير سلطان بن عبدالعزيز، و«من بعدها شكلت لجان فرعية لا يعلم مصيرها إلا الله». وإن اختلف البعض على أداء الوزير محمد الرشيد، إلا أن من خبر ميدان التربية والتعليم مع الرشيد ومع غيره يعرف أي قيمة أضافها للتعليم في ذلك الحين، بل إن مشروع تطوير المناهج الذي بدأه الرشيد يجني ثماره طلاب المدارس اليوم، حتى وإن حاول البعض نسبة الفضل فيه إلى المسؤولين الحاليين. ولعل الداعية سلمان العودة لخص قيمة الرشيد حين غرد في هاشتاق عن رحيل الرشيد بقوله: «لم يعرف الناس قدرك حتى غادرت الوزارة.. فأثنى عليك مخالفوك ومحبوك.. رحمك الله أيها الفاضل». ولأن الفارس لا يتخلى عن سيفه ونضاله بقي الرشيد في عين العاصفة وهو يشدد في آخر مقالاته الذي سبق وفاته بأربعة أيام والمنشور في صحيفة الرياض «أزمة الأمة العربية المعاصرة هي أزمة تربية، وأزمة التربية هي أزمة قلة كفاءة القائمين عليها، وكذا المعلم في كثير من الأحيان تنقصه الكفاءة، وحتى لا يحكم أحد طوق الأزمة حولنا ويقول إن: أزمة كفاءة القائمين على التربية هي أزمة الأمة، وهي مستعصية الحل، نجيبه قائلين له: لا بد من أن نعطي لعملية التربية من القداسة ما ينبغي لها، ونؤهل المربي القائد والمعلم مزودين بتربية نبي هادٍ، ونزاهة قاض شريف، مع تجديد دائم لمعارفه ومهاراته، وراتب مجز، ونحقق له كل الحوافز المادية والمعنوية، وبهذا نكسر طوق هذه الأزمة، ونحطم حلقاتها بالعمل الدءوب لتحقيق التربية السليمة المنشودة».