وجّه وزير التربية والتعليم السابق محمد الرشيد انتقادات لاذعة، للمسؤولين عن تأليف بعض المناهج الدينية في المدارس السعودية، مشدداً على ضرورة بث روح التسامح مع الآخر فيها، وتنقيحها من الفتاوى والآراء المكانية والزمانية التي انتفى غرضها بانتفاء الظرف الذي قيلت فيه. وقال الرشيد خلال محاضرة ألقاها في اللقاء الذي نظمته الجمعية السعودية للعلوم التربوية والنفسية (جستن) بعنوان: «رؤيتي لتطوير مناهج التربية الدينية» في الرياض أول من أمس: «لسنا ملزمين بفتوى معينة، فالزمن مختلف وكل رجل - كما قال الإمام مالك- يؤخذ من رأيه ويرد إلا صاحب هذا القبر وهو يشير إلى قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم». وأضاف، أن رؤاه التطويرية لمناهج الدين في السعودية، سبق أن وافقه عليها مفتي السعودية الراحل عبدالعزيز بن باز حين عرضها عليه عندما كان وزيراً للتربية «حتى أن ابن باز رشح لي ثلاثة علماء ليعيدوا صياغة المناهج الدينية، وبعد موافقتهم عادوا ليعتذروا عن التصدي لهذا الأمر». ودعا الرشيد إلى استبعاد المسائل الخلافية من المناهج، لافتاً إلى ضرورة الحرص على انتقاء نوعية المناهج المناسبة، لجعل الطالب إنساناً صالحاً في المعرفة والسلوك. وأضاف: «لا ينبغي شغل الطالب في التعليم العام بدرس الخلاف في فروع اجتهادية، ويجب أن تقف المناهج بدافع روح السماحة والبعد عن التشدد، حتى تتشبع روح الطلاب باحترام الاختلاف مع غيرهم، وأن ينشأ الطالب على المرونة الفكرية وقبول الآخر، فنحن لا نستطيع أن نعيش في عزلة عن غيرنا، وحسن التعامل من صور التواصل البشري التي قد تدعو غيرنا إلى الإسلام». ولفت إلى أن مواد التربية الدينية يجب أن تدعو إلى التأمل والتفكير وليس إلى الحفظ، وأن تستثير قدرات العقل «لأن المناهج الدينية الحالية لا تربي النشء بل إنها قد تنزل بعقولهم»، على حد وصفه. وشدد الرشيد على خطورة قلة الاهتمام بقواعد الأخلاق في المعاملة والسلوك في المناهج الحالية، لافتاً إلى أن تجاوزات مثل تلك التي حدثت في اليوم الوطني تدل على وجود خلل في التربية لدينا، وفي منظومة القيم التي يتعلمها الطلاب، ولا سيما في المناهج الدينية، التي وصفها بأنها «أهم المقررات»، لأنها قادرة متى صيغت بالشكل المناسب أن تنتج مواطناً صالحاً معرفةً وسلوكاً. ولخص الرشيد رؤيته في تطوير المناهج بأن تهدف إلى إيجاد المواطن الصالح وأن يكون الاهتمام بالعبادات دون استطراد بما لا حاجة إليه، ليأتي بعدها الاهتمام بالقيم والسلوكيات الإسلامية التي يجب أن يربى عليها الناشئة، لكنه اشترط أن يكون تعليم العبادات في ما لا يليق بالمسلم جهله من أصول دينية، من دون التطرق إلى القضايا التخصصية والخلافية. وأشار إلى أهمية أن تتناسب المواضيع المقررة في فروع التربية الدينية مع عمر الطالب وقدراته العقلية وما يحتاج إليه من مفاهيم دينية في هذا العمر، وعدم الخوض وحشو بعض المعارف البديهية المعروفة بفطرة الإنسان «فالإنسان مهما كان عمره لن يتوضأ بماء غلب عليه الحبر، أو المرق، ولن يأكل لحم الفيل، والذئب، والفأر، ولن يستجمر بعظم أو خشب، وهي مواضيع موجودة في المناهج المطورة في المرحلة الابتدائية». وطالب بعدم إحالة الطلاب إلى المراجع والمؤلفات الموسوعية كما في المقررات الحالية، وعدم الخلط في ذكر الأحكام بين ما هو واجب وما هو مسنون، وعدم الخوض في أمور ليست موجودة بيننا الآن مثل، زكاة الركاز، وعتق الرقاب. واقترح دمج مقررات التربية في مقرر واحد باسم «التربية الدينية» على أن يوحد منهج الطلاب والطالبات من دون أن تفريق، معتبراً أن من المضحك أن تخاطب الطالبات في مناهج مواد الدين بصيغة المذكر. وأبدى الرشيد عجبه من المناهج الدينية الحالية وكيف أنها تحوي نصوصاً دينية منذ الأسبوع الأول للصف الأول الابتدائي، على رغم أن الطالب لا يعرف وقتها الألف من الباء «فكيف يقرأ هذه الكتب؟».