تبدأ لجنة «الخمسين» الموكل لها تعديل الدستور المصري الذي عطّله الجيش عقب عزل الرئيس السابق محمد مرسي، بعد غد (الثلثاء)، عملية الاقتراع على مواد الدستور في جلسات علنية. ويكثّف أعضاء اللجنة من اجتماعاتهم للتوصل إلى صيغ توافقية حول ديباجة الدستور، فيما يواجه قيادات حزبية من أعضاء اللجنة معضلة في تمرير بعض المواد التي خرجت في المسودة الأولى، لقواعدهم الشعبية، ويشترك في تلك الأزمة حزب «النور» السلفي الذي بات في مأزق أمام رفض غالبية أعضاء اللجنة تمرير مواد «الشريعة الإسلامية» التي يطالب بها «النور»، كما هو الحال أيضاً بالنسبة إلى رؤساء أحزاب ليبرالية ويسارية يواجهون رفضاً من قبل شباب أحزابهم لمادة دستورية تتيح محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري. ويسعى المسؤولون المصريون إلى تحاشي حصول انقسامات داخل التحالف الحاكم، قبل نحو شهر من الاستفتاء على التعديلات الدستورية، خصوصاً أن الاستفتاء سيمثّل أيضاً اختباراً لشعبية الحكم وخريطة طريق المستقبل في مواجهة جماعة «الإخوان المسلمين» الذي أطلقت حملات لرفض التعديلات الدستورية. وعقد رئيس لجنة تعديل الدستور عمرو موسى أمس اجتماعاً مع رئيس حزب «النور» يونس مخيون في حضور أعضاء في اللجنة أبرزهم مفتي الديار المصرية شوقي علام، للبحث في مخرج لأزمة وضع تفسير للمادة الثانية من الدستور المتعلقة ب «مبادئ الشريعة الإسلامية» ضمن ديباجة الدستور. وفيما اشتكى القيادي في «النور» شعبان عبدالعليم من تراجع أعضاء في اللجنة عن اتفاقات كانت جرت في السابق، موضحاً ل «الحياة» أنه كان اتفق على وضع تفسير مناسب ل «مبادئ الشريعة» في ديباجة الدستور، كذلك حذف النص على «مدنية الدولة»، لكن هناك تراجعاً عن هذا الاتفاق، كما قال. وأوضح: «المشاورات لا تزال جارية ونسعى إلى الوصول إلى تفاهمات»، لافتاً إلى أن حزبه يرفض أيضاً تحديد حصص نيابية للأقباط والنساء بحسب ما يريد بعض أعضاء لجنة الخمسين. من جانبه، كشف مصدر قيادي في «النور» السلفي ل «الحياة» أن قادة الحزب المنبثق عن «الدعوة السلفية» يواجهون معضلة كبيرة في إقناع قواعدهم بمواد الدستور و «تمترس أعضاء اللجنة خلف رفض مواد الهوية يزيد الأمر تعقيداً». وأوضح المصدر: «هناك انقسامات عميقة بين كبار شيوخ التيار السلفي حول جدوى مشاركتنا في خريطة الطريق ولجنة تعديل الدستور، بعضهم يقف في صف جماعة الإخوان المسلمين في العلن، بل ويتهموننا بالتآمر على المشروع الإسلامي، وبعضهم الآخر نأى عن نفسه الدخول في هذا الاستقطاب السياسي وإن كانت مواقفه أيضاً لا تصب في مصلحتنا، وهؤلاء لديهم أنصار، وحتى قواعدنا لا يمكن السيطرة عليها وإقناعها في حال حصل تراجع عن النص على تطبيق الشريعة في الدستور، سيشككون في روايتنا، وهو ما قد يدفعهم إلى الذهاب إلى معسكر التصويت ب «لا» على الدستور أو على الأقل مقاطعة الاستفتاء». من ناحية أخرى، يجد رؤساء أحزاب «الوفد» و «المصري الديموقراطي» (التيار الليبرالي) و «الكرامة» (الناصري) و «التجمع» (اليساري)، وجميعهم أعضاء في لجنة «الخمسين»، أنفسهم في معضلة أيضاً لإقناع قواعدهم الشبابية بمادة دستورية تبيح محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري، وإن كان قد تم تقييد ذلك عما كان منصوصاً عليه في الدستور المعطّل. وتنص تلك المادة على أنه لا تجوز محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري إلا في «الجرائم التي تمثّل اعتداء مباشراً على منشآت القوات العسكرية أو معسكراتها أو ما في حكمها أو المناطق العسكرية أو الحدودية المقررة كذلك أو معداتها أو مركباتها أو أسلحتها أو ذخائرها أو وثائقها أو أسرارها العسكرية أو أموالها العامة أو المصانع الحربية أو الجرائم المتعلقة بالتجنيد أو الجرائم التي تمثل اعتداءً مباشراً على ضباطها أو أفرادها بسبب تأدية أعمال وظائفهم». وقال الأمين العام لحزب «المصري الديموقراطي» أحمد فوزي ل «الحياة»: «أرفض أي صيغة لمحاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري، الطبيعي أن يحاكم المواطن أما القضاء المدني، أما القضاء العسكري فهو أمر استثنائي». وظهر أن تلك المادة أثارت انقساماً أيضاً وسط القوى الشبابية والثورية التي لعبت دوراً رئيسياً في سقوط «حكم الإخوان»، وقد رفضتها علناً حركات شبابية في مقدمها حركة شباب «6 أبريل». وقال عضو لجنة تعديل الدستور القيادي في حركة «تمرد» محمد عبدالعزيز: «إلى كل ثوري (أكثر ثورية مني ومن تمرد ومن أي أحد) ... قارن النص الحالي بنص (الدستور المعطل) ... ستجد أنه أكثر حصراً وتحديداً (لكنني اعترف معك أنه ليس الأمثل) ... طيب ده آخر حاجة قدرنا نضغط ونجيبها داخل اللجنة ... حضرتك يا ثوري يا عظيم جداً... ولا اشكك في ثوريتك أو وطنيتك زي ما أنت بتشكك في ثوريتي ووطنيتي وأحياناً أخلاقي !! ... تقدر تحشد الجماهير على قضية (نخبوية) زي المحاكمات العسكرية وتملّي ميدان التحرير وكل الميادين وتطالب بإلغاء النص تماماً ... لو تقدر أنا أوّل واحد هشارك معاك وهتشدد جداً في إلغاء النص .. ولا أنت عايز تزايد على تويتر وفايسبوك وأنا أضغط لوحدي داخل اللجنة ...». وأمام تلك الانقسامات سعى الناطق باسم لجنة تعديل الدستور محمد سلماوي إلى التخفيف من وطأة الانقسامات، وأقر في مؤتمر صحافي أمس بأن الدستور المعدل «لن يكون أفضل دستور في العالم، ويمكن تغييره عندما تتحسن الأمور في البلد»، وتوقع أن تخرج جماهير ثورة «30 يونيو» التي أطاحت حكم الرئيس السابق مرسي لتأييد الدستور الجديد لأنها «تتطلع لبناء جديد ولدولة جديدة تختلف عن الدولة السابقة ومن هنا ستخرج الجماهير لتأييد الدستور الجديد». وأكد أن الدستور الجديد «سيخرج مصر من حالة الاضطراب التي تعيشها منذ ثلاث سنوات»، معتبراً انه «ليس دستوراً دائماً ولكنه قابل للتعديل من خلال آليات نص عليها إذا أراد الشعب ذلك». وأوضح سلماوي، في مؤتمر صحافي عقده أمس، أن لجنة الخمسين ما زالت مستمرة في عملها ولم تنته من الديباجة. في غضون ذلك، قالت الخارجية الأميركية إن الثورة في مصر قامت لتحقيق إرادة الشعب والشباب، من دون أن يكون الدين أو الأيديولوجية أو التطرف وراءها، على حد تعبيرها. وأضافت المتحدثة باسم الوزارة جين بساكي أن جون كيري - حينما قال إن «الإخوان سرقوا الثورة» - كان يعبّر عن موقفه إزاء الثورات العربية وإنه كان يقصد أن الشباب هم الذين دفعوا بالثورة في مصر وأن الثورة المصرية «لم تقم على أساس ديني أو أيديولوجي أو تهدف إلى التطرف». ولفتت بساكي إلى أن الحكومة المصرية ماضية قدماً في تنفيذ خريطة الطريق وتدعيم مبادئ الديموقراطية ومشاركة كل الأطراف في العملية السياسية، مضيفة أنها تشجع الحكومة المصرية على ذلك. وكان موقف كيري استدعى رداً عنيفاً من جماعة «الإخوان».