اعتبر اقتصاديون أن القطاع الخاص في السعودية لا يسهم جدياً في الناتج المحلي، إذ إن الناتج المحلي قائم على النفط بنسبة 80 في المئة من إجمالي الموازنة العامة للدولة، الذي يعتبر المورد الأول في السعودية، بينما توفر الصناعات الأخرى 20 في المئة من النسبة المتبقية في الناتج المحلي، و10 في المئة منها صناعات بتروكيماوية مشتقة من النفط، مشيرين إلى أن الاقتصاد السعودي قائم على الدعم الحكومي بالكامل، وذلك في مشاركتها في المشاريع التنموية. وطالب الاقتصاديون بضرورة إعادة الهيكلة للصناعات المحلية في المملكة، وتنويع مصادر الدخل في الناتج المحلي، إضافة إلى تحفيز الشركات الخاصة للمشاركة في الناتج ورفع مساهمتها في الموارد إلى نسبة 50 في المئة أسوة بالدول الصناعية الكبرى في العالم، موضحين أن التحديات التي تواجه الاقتصاد السعودي مثل النفط الصخري التي بدأت الولاياتالمتحدة الأميركية في إنتاجه أصبحت تدق ناقوس الخطر. وأكد الخبير الاقتصادي فضل البوعينين ل«الحياة» أن مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي «لا تكاد ترى بالعين المجردة»، إذ إن أرقام الناتج المحلي السعودي توضح بجلاء أرقام المساهمة التي يشارك فيها القطاع الخاص، معتبراً أن القطاع غير النفطي لا يسهم بالشيء الكبير الذي أوجد خللاً في الاقتصاد السعودي. وأضاف: «يجب أن يعاد النظر في هيكلة الاقتصاد السعودي، خصوصاً الأمور التي طرأت على الاقتصاد العالمي في النفط، إذ إن الأسعار الأخيرة قد تؤثر على الإنتاج النفطي، خصوصاً الغاز الصخري والنفط الصخري الذي بدأت الولاياتالمتحدة الأميركية بإنتاجه، وقد يتجاوز إنتاجها في النفط الصخري في الأعوام المقبلة إنتاج المملكة، ما يؤثر سلباً على الطلب في النفط العالمي». وبين البوعينين أن الاعتماد على النفط في الموازنة السعودية يبلغ نسبة 92 في المئة، مشدداً على ضرورة التعامل مع المستقبل تعاملاً استراتيجياً بتنمية الصناعات الأخرى غير النفطية، وزيادة مساهمتها في الناتج المحلي لتحقيق هدف تنويع مصادر الدخل. واستطرد قائلاً: «من الحلول العاجلة لإنقاذ الاقتصاد السعودي، يجب على الدولة أن تنوع مصادر الدخل لتصل تلك الموارد غير النفطية إلى تمويل الموازنة العامة للدولة 50 في المئة بخفض المورد الاقتصادي للنفط، ثانياً أن تعاد هيكلة الاقتصاد بما يسهم في مشاركة القطاع الخاص بنسبة أكثر مما هي عليه أسوة بالدول الصناعية الأخرى، ولا يمكن أن نعتمد على النفط المورد الذي قد ينتهي في أي وقت». وفيما يخص القطاع الخاص أشار الخبير الاقتصادي فضل البوعينين إلى ضرورة التنبه إلى أهمية الصناعة، إذ إن المستقبل مرتبط في الأساس بالصناعة، لافتاً إلى ضرورة الاستفادة من السياحة الداخلية والمساحة الكبيرة للسعودية، إذ إن قطاع السياحة يعتبر من القطاعات الاقتصادية المهمشة داخلياً. وأفاد بأن مساهمة السياحة في الناتج المحلي لا تتجاوز 2.25 في المئة، قد تزيد أو تنقص في هذا الحدود، إضافة إلى انعدام الدراسات الاستراتيجية في القطاع السياحي، الذي أصبح صناعة عالمية، مؤكداً أنها ستسهم في زيادة الناتج المحلي 20 في المئة إذا أحسن استغلالها. وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن الموانئ السعودية على الخليج العربي والبحر الأحمر لم تساهم إيراداتها في الاقتصاد المحلي في شكل كبير وإيجابي أسوة بالدول المجاورة للسعودية، إذ إنها تساهم في موازنة تلك الدول، مبيناً أن الدراسات الحكومية الاستراتيجية كفيلة بتغيير الوضع الحالي وتحسين البيئة الاقتصادية. ودعا فضل البوعينين المسؤولين في السعودية إلى مراجعة سياستها في الاحتياطات المالية خارجياً وداخلياً، واستثمارها داخلياً في خلق وظائف للشباب السعودي، وخلق مزيد من الموارد الصناعية التي تحقق الفائدة للناتج المحلي، مضيفاً: «يوجد توجه حكومي يعتبر من أهم الخطوات التي تسعى إليها الدولة السعودية هي الصناعات التحويلية التي ستسهم في تنمية عديد الصناعات المحلية». من جهته، اتفق الخبير الاقتصادي الأستاذ في كلية إدارة الأعمال بجدة الدكتور علي التواتي خلال حديثه إلى «الحياة» مع ما قاله فضل البوعينين، إذ يرى أن القطاع الخاص المحلي لا يقارن بالشركات العالمية، مشيراً أنه يعتمد كلياً على الدعم الحكومي، وما تغطيه المشاريع الحكومية على تلك الشركات من أرباح. وقال إن احتكار المشاريع الحكومية على شركات محددة خلق بيئة «فساد» بين الشركات نتج منها البيع بالباطن، واستحواذ تلك الشركات على تلك المشاريع، مبيناً أن القرار الأخير للسلطات السعودية يمنع حصر الشركات الكبرى على المشاريع الحكومية، وتنويع المشاريع على الشركات. ولفت التواتي إلى وجود مثبطات عدة على الشركات الخاصة، منها احتكار سوق الاستيراد والتصدير، والشركات الكبرى الأخرى في القطاعات التعليمية الصحية وغيرها من القطاعات الأخرى، مضيفاً: «الدولة تملك 70 في المئة من المصارف المحلية والشركات الكبرى، إذ تعتبر بذلك أكبر مؤثر في القطاع الاقتصادي». وطالب التواتي بضرورة تغيير الهيكلة الاقتصادية وأخذ في الاعتبار الشركات الخاصة العائلية، وتوفير الدعم للمتطلبات للقطاع الخاص، مشيراً إلى أن الأموال الاحتياطية والاستثمارات الخارجية مرتبطة بالنفط الذي لا يعد ضماناً، إذ إن السعودية لجأت إلى الاستدانة في وقت مضى لتغطية العجز الذي حدث وقتها. وعلى صعيد آخر، أشارت دراسات صادرة عن مركز المعلومات بالأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربي إلى أن الصناعات الغذائية السعودية تتصدر قطاع صناعة الغذاء في منطقة الخليج، تليها الإمارات وقطر بإجمالي تمويل يقدر بأكثر من 17.5 بليون ريال، وبقوة عاملة تصل إلى 46 ألف عامل. وبحسب الدراسات فإن مصانع الغذاء السعودية نجحت في تأمين جزء كبير من حاجات المملكة من الألبان ومشتقاتها والمعجنات، والزيوت والحلويات والمكرونة والتمور والطماطم وغيرها، مما أسهم في تضييق الفجوة الغذائية بالمملكة ودول الخليج العربي عموماً، التي تصدر المصانع السعودية فائض إنتاجها لها. وأفاد الخبير الاقتصادي رضا الحربي ل«الحياة» بأن صناعة الأغذية في المملكة شهدت تطوراً ملموساً خلال العقود الأخيرة، إلا أنها تقل عن الحاجة والإمكانات المتاحة، مطالباً بتطور جذري وكبير للمصانع والمنشآت الغذائية يساعدها في تلبية جزء من الطلب المحلي. وأشار إلى أن الدور المنوط بالحكومة يجب أن يتمثل في دعم الخطة الاستراتيجية الموجهة للاستثمارات، التي تراعي الحاجات الداخلية بما يؤمن الاحتياط من الأمن الغذائي، لافتاً إلى أن السعودية أصبحت تعوّل كثيراً على الاستيراد من الخارج لحماية مصادرها المائية. وشدد الخبير الاقتصادي على التنويع الجغرافي للزراعات المهمة في البلد، والمناطق الغنية بالأمطار التي يمكنها الإسهام في زيادة الطلب المحلي، وأضاف: «الجمع بين سياسة الزراعة في الخارج والزراعة في الداخل إضافة إلى الاستيراد، يشكل خليطاً من المصادر التي يمكن أن تحقق مزيداً من الأمن الغذائي».