أثارت أرقام محبطة عن ملف التأمين الطبي في السعودية شهدها لقاء علمي أخيراً، تساؤلات عن جدوى تطبيق التأمين على جميع المواطنين، فضلاً عن بثها لليأس في إمكان تحقيق هذا الحلم الذي طال انتظاره، وسط مخاوف من عدم شموليته شريحة كبيرة من المواطنين. وفي حين قدر متحدثون في اللقاء الذي نظمته كلية الاقتصاد والإدارة في جامعة الملك عبدالعزيز خسارة شركات التأمين بعشرات الملايين سنوياً، بجانب فوضى واحتكار ل70 في المئة من سوق التأمين من أربع شركات فقط، فإن هذا الملف المهم يثير سؤالاً متجدداً وهو «هل صحة الإنسان موضع مناسب للاستثمار والاتجار؟». ففي دول كثيرة متقدمة تتولى الدولة ملف التأمين بنفسها وتمنع الاستثمار فيه، باعتبار صحة الإنسان وحياته موضوعاً لا يمكن التربح من ورائه، لذا فإن خبيراً في مجال التأمين الطبي مثل الدكتور رضا محمد خليل يرى أن مشروع تطبيق التأمين الصحي على جميع المواطنين في السعودية سينجح «متى ما أبعدت وزارة الصحة شركات التأمين الطبي التجارية من حساباتها لتطبيق المشروع»، إذ يطالب بأن تبادر الدولة بإنشاء صندوق حكومي غير ربحي يتولى تطبيق هذا المشروع كما هو معمول به في كندا ومعظم الدول الأوروبية وماليزيا وسنغافورة. ولفت رضا الذي عمل مستشاراً لوزير الصحة ومسؤولاً عن الضمان الصحي التعاوني في وزارة الصحة سابقاً إلى أن صحة الإنسان ليست مجالاً للاستثمار التجاري. وقال رضا خليل الذي كلفته وزارة الصحة في العام 2008 بالإشراف على درس مشروع «بلسم» الخاص بتطبيق الضمان الصحي على جميع المواطنين ل«الحياة»: «أرجو ألا تعتمد وزارة الصحة على الشركات التجارية في التأمين، لأن هذه الشركات هدفها الربح، وصحة المواطنين لا تقبل المزايدة والدخول في مسائل الربح والخسارة». وأثبتت التجارب العالمية أن التأمين الطبي الذي تتولاه الشركات التجارية لم ينجح، وخير مثال على ذلك الكادر الصحي في الولاياتالمتحدة الأميركية، الذي يصفه كثيرون بالسيئ لجهة عدم شموليته لجميع المواطنين، فعلى رغم جودة الخدمات الطبية هناك، إلا أن الأغنياء فقط يستفيدون منه، إذ ارتفعت فاتورة التأمين في أميركا، وأصبح الإنفاق على الخدمات الصحية يوازي 17 من الدخل القومي في مقابل وجود 150 مليوناً غير مشمولين بالتأمين الطبي، ما يعني أن هذا النظام لا يضمن الشمولية والعدالة في الخدمات الصحية، لأنه يعتمد على الأسس التجارية، فمن لديه قدرة مالية كافية، سيحصل على أعلى الخدمات، بينما من لا يملك هذه القدرة لا يمكن من الحصول على الخدمة المناسبة. وأوضح خليل أن توليه مسؤولية الإشراف على مشروع «بلسم» للتأمين على المواطنين استمر نحو ثلاثة أعوام، تم خلاله اختبار تجارب التأمين في 16 دولة حول العالم من الشرق والغرب، وخلصت الدراسة إلى أهمية إنشاء صندوق وطني غير هادف للربح للتأمين الصحي على كل المواطنين. إضافة إلى أن الدراسة أوصت بأن تتحول المستشفيات الحكومية الكبرى إلى العمل المؤسسي، وألا تعتمد على موازنة من الدولة «لأن موازنة الدولة ستوجه للصندوق الذي سيتولى التأمين على كل المواطنين، أي أنه سيكون بمثابة شركة تأمين حكومية كبرى». وأشار إلى أنه تم تقديمه في العام 1428 وعرض على مجلس الشورى وأساتذة جامعات متخصصين ومجموعة كبيرة من أصحاب الفكر. وأشار إلى أن «تجربة التأمين الطبي الحالية التي تركز على المقيمين ويستفيد منها نحو 8 ملايين أجبني يعملون في السعودية، إضافة إلى نحو نصف مليون سعودي عاملين في الشركات الكبرى، ما زالت في البداية، وتحتوي على عيوب من نوع عدم شمولية بوليصة التأمين لكل الخدمات الصحية، فالبوليصة تغطي إلى حد معين والبقية يدفعها المريض من جيبه». ولفت إلى أن الواضح بحسب تصريحات مسؤولي وزارة الصحة، أن لدى الوزارة رغبة في أن يكون التأمين الطبي المقبل مجاناً بالكامل، بحيث لا يدفع المواطن أي مبلغ، بعكس ما هو معمول في تجربة التأمين الوطني في بعض الدول الأوروبية، التي يشارك المواطن فيها بمبالغ مخفضة تناسب مستوى دخله.