يتساءل المواطن بعد كل مراجعة له في الإدارات الحكومية: لمَ كلُ هذه التعقيدات؟ ولماذا لا تقلص الإجراءات الإدارية القابلة للتقليص والاختصار والدمج؟ وما سببُ ضعف تكامل أنظمة الإدارات الحكومية؟ وما مبرر اختلاف وتضارب إجراءاتها وكأنها لا تنتمي إلى دولة واحدة؟ للموظف الحكومي نماذج من الأجوبة المُعدَة مسبقاً لمواجهة كل نوع من أنواع التذمر التي يبوح بها المراجع، ولعل من أكثرها تداولاً وأنجعها في إسكات المتذمرين مع رفع اللائمة عن الجهاز الإداري الذي يعمل به الموظف، هو التذرع بالنظام واشتراطاته، وأن الإدارة الحكومية تُقاسم المواطن معاناته بسبب متطلبات النظام التي لا داعي لها أساساً، أو أنها كانت لزمن تغيرت ظروفه. هذه الحجة مقنعة لعامة المراجعين الذين لا يدركون خطوات إصدار الأنظمة وتعديلها، فطالما أن مصدر النظام هو جهة أخرى غير المنفذة فلا بد من أن مصدره هو الملوم على ما في النظام من عيوبٍ تباعد بينه وبين الواقع، وتزيدُ على المواطنين أعباء بيروقراطية لا معنى لها ولا ثمرة منها. والواقع خلاف ذلك، فالنظام تُقترح صيغته الأولية من الجهة المعنية بتنفيذه ابتداء، ثم لها بعد صدوره اقتراح تعديله، وقد جاء في برقية رئيس مجلس الوزراء الموجهة إلى نائب رئيس مجلس الوزراء برقم 7/ ب /12661 وتاريخ 17-3 -1424ه ما يؤكد على هذا، إذ جاء فيها : «...أولاً: على الجهات الحكومية عندما تظهر لها حاجة إلى اقتراح نظام جديد، أو تعديل نظام قائم، القيام بما يأتي ...» ثم سردت البرقية الآلية المرسومة لذلك. فلكل جهة حكومية متى ما ظهرت لها الحاجة لاقتراح أو تعديل للنظام أن تتقدم به، وتباطؤ الجهة الحكومية في الرفع عن ثغرات النظام وعن الإشكاليات الناجمة عن تطبيقه، وتقصيرها في ملاحظة التطورات التي يجب أن يواكبها النظام المتقادم يحملها تبعة التقصير وعتب المتضررين. التذرع بالبيروقراطية المقننة لم تعد حجة صالحة للاستهلاك، بل لم تكن يوماً كذلك. فالأنظمة تصدر لتُلبي حاجات المواطنين وتُنظمها، لا لتكون عُقدة يتمنى المواطن إزاحتها أو التخلص منها. * قاضٍ في ديوان المظالم سابقاً. [email protected]