تراوحت تصريحات الخبراء والاقتصاديين الألمان باستمرار خلال السنوات الأخيرة بين التشاؤم والتفاؤل في موضوع النمو في البلد ومنطقة اليورو، لكنهم الآن يختلفون حول مقدار التفاؤل الممكن في ما يخص النمو المتوقع لاقتصاد بلدهم. ففي حين ينتظر كبير خبراء المصرف المركزي الإنمائي، يورغ تسوينر، تحقيق نمو بنحو اثنين في المئة العام المقبل بفعل التحسن الحاصل داخلياً وانتهاء مرحلة الركود الاقتصادي في أوروبا، توقع «معهد الاقتصاد الألماني» (إي في) في كولونيا نمواً بنحو 1.5 في المئة، كما قدّر «معهد بحوث النمو والاقتصاد الكبير» (إي إم كا) نمواً بمعدل 1.2 في المئة. وقال تسوينر «إن أوروبا، التي تعتبر السوق الأهم في العالم للصادرات الألمانية، أصبحت أخيراً على سكة الاستقرار بعد مرحلة كساد طويلة». وأشار مدير معهد «كولونيا» ميشال هوتر، إلى أن الانتعاش الذي سيشهده الاقتصاد الألماني العام المقبل «سيكون عادياً ولن يكون نمواً مدهشاً». وإذ رأى مدير «معهد النمو والاقتصاد الكبير» غوستاف هورن أن النمو المنتظر «لا يحمل في داخله محركاً ذاتياً،» توقع الخبراء الثلاثة أن يحقق الاقتصاد في نهاية هذه السنة نمواً متواضعاً من 0.5 في المئة تقريباً. وأجمع الاقتصاديون والخبراء على أن الضعف الحالي للاقتصاد العالمي هو السبب المباشر لمعدل النمو الضعيف الحاصل حالياً في ألمانيا، تضاف إليه كذلك أزمة الديون السيادية التي يمر بها عدد من دول منطقة اليورو، وكذلك الضعف الذي طرأ على اقتصادات الدول الصاعدة مثل الصين والهند وروسيا والبرازيل. لكن النشرة الاقتصادية الشهرية الصادرة أخيراً عن «غرفة التجارة والصناعة العربية الألمانية» في برلين نقلت عن «معهد البحوث الاقتصادية» (إيفو) في ميونيخ وجود أمل جديد لمنطقة اليورو، مشيراً إلى أنها «ستواصل الخروج من أزمتها خلال الشهور المقبلة، وإن بصورة متواضعة نوعاً ما». الصادرات ولهذه الأسباب توقع مدير «معهد النمو والاقتصاد الكبير» ألا يتجاوز النمو في الصادرات الألمانية 0.1 في المئة هذه السنة، لكنه توقع أن يسجل 4.4 في المئة العام المقبل. أما مدير «معهد كولونيا» فتوقع 3.5 في المئة. وعزا الخبراء والاقتصاديون الدعائم الرئيسة للنمو المنتظر إلى انتعاش السوق من خلال تنامي الاستهلاك الخاص بفعل الزيادات على الأجور واستقرار سوق العمل. في هذا الإطار سجّل معهد «إيفو» في نهاية أيلول (سبتمبر) الماضي ارتفاعاً ولو طفيفاً، للمرة الخامسة على التوالي في مؤشر أجواء الشركات الألمانية السبعة آلاف التي يستفتيها شهرياً، من 107.6 إلى 107.7 نقطة. وأوضح الخبير في المعهد، كلاوس فولرابه، أن القطاع الصناعي الألماني «يتطلع بصورة أكثر تفاؤلاً إلى منطقة اليورو للمرة الأولى منذ العام 2011». وإذا كان صحيحاً أن الشركات المُستطلَعة قدّرت أشغالها الحالية في شكل سيء بعض الشيء، إلا أنها أظهرت تفاؤلاً أكبر في أعمالها المُنتظرة خلال الأشهر الستة المقبلة. وأشار المعهد إلى إن شركات التصدير الألمانية «تبني الآمال على الإشارات الأخيرة من الولاياتالمتحدةوالصين حول تحسن مؤشرات النمو فيهما». لكن الخلاف المستمر بين البيت الأبيض والمعارضة في الكونغرس حول رفع الدين في الموازنة الأميركية الجديدة وقانون الضمان الصحي، قد يقضي على هذه الآمال إذا لم يُحلّ في أسرع وقت ممكن. والاتفاق الذي تم بين الجانبين أواسط الشهر الماضي أجّل الحل النهائي مرة أخرى إلى مطلع شباط (فبراير) المقبل، وإن كان سمح بالاعتقاد بأن الطرفين سيعملان حتى ذلك الحين على وضع أسس الحل المقبول لتفادي تعريض البلد من جديد إلى أخطر كارثة مالية في تاريخها يمكن إن تزلزل الاقتصاد العالمي بكامله. والحل الأميركي الموقت هذا، وكذلك إعلان الصين أن النمو فيها ارتفع من جديد وحقق في الربع الثالث من هذه السنة 7.8 في المئة، إضافة إلى التوقعات الإيجابية للاقتصاد الألماني التي حملها «تقرير الخريف»، ساعدت كلها على تعزيز الانطلاقة الجديدة التي بدأها أخيراً مؤشر «داكس» الألماني، الذي حقق أرقاماً قياسية تاريخية جديدة خلال الأيام والأسابيع الأخيرة، وارتفع منذ أواسط الشهر الماضي من 8861 إلى 9253 نقطة أول من أمس. وتسود قناعة لدى أكثر من مراقب مالي بأن المؤشر سائر بوضوح نحو تحقيق هدف العشرة آلاف نقطة قبل نهاية السنة، ما يفسر إقبال المودعين الألمان والأجانب على شراء أسهم ألمانية.