انقسم خبراء واقتصاديون ألمان حول تقويم الوضع الاقتصادي الفعلي في ألمانيا (التي تُعتبر الاقتصاد الأول في أوروبا)، والذي لا يزال يواجه بصلابة أزمة الديون المستمرة في منطقة اليورو، ومعها الأزمة الاقتصادية الدولية. وفي حين رأى بعضهم أن آفاق الاقتصاد الألماني سلبية، كان آخرون أقل تشاؤماً. وتركت الأزمتان، الأوروبية والعالمية، أثراً سلبياً في الاقتصاد الألماني عكسه مؤشر معهد البحوث الاقتصادية في ميونيخ «إيفو» الشهر الماضي، بعد تسجيله انخفاضاً للشهر السادس على التوالي من 101.4 إلى 100 نقطة، ما أثار مخاوف المراقبين نظراً إلى الأهمية التي يمثلها المؤشر. وحصل الأمر ذاته مع مؤشر مبيعات الشركات المهم الصادر عن معهد «ماركيت» الذي تراجع في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي إلى 48.1 نقطة، وبقي للشهر ال 14 تحت مستوى 50 نقطة التي تؤشر عادة إلى بدء النمو. وفي الوقت ذاته، خفّض اتحاد غرف التجارة والصناعة الألمانية أخيراً، توقعاته لمعدل النمو في ألمانيا هذه السنة من 1.3 إلى واحد في المئة، معلناً أن النمو لن يتجاوز 0.7 في المئة عام 2013، أي أقل كثيراً من التقديرات. لكن لم تمض أربعة أسابيع على قول رئيس معهد «إيفو» هانس فرنر زِن، إن «الغيوم في سماء الاقتصاد الألماني تزداد تلبداً، وتسبب أزمة اليورو وتراجع النمو العالمي هلعاً بين رجال الأعمال»، حتى فاجأ المؤشر الصادر الجمعة الماضي الجميع بارتفاعه مجدداً إلى 101.4 نقطة. وعقّب خبير النمو فيه كلاوس فولرابه على التطور الإيجابي غير المنتظر، معتبراً أنها «مفاجأة ضخمة»، أعادت الارتياح والطمأنينة إلى رجال الأعمال والشركات، خصوصاً أن تحسن المؤشر شمل القطاعات الاقتصادية والإنتاجية. وكانت غالبية الاقتصاديين الألمان فوجئوا قبل ذلك على عكس ما كان متوقعاً، بالمؤشرات السلبية التي ظهرت بعيد صدور قرار البنك المركزي الأوروبي، والقاضي بشراء سندات حكومية من دول متعثرة لحمايتها من مضاربات فوائد المقرضين. صحيح أن مؤشر مركز بحوث الاقتصاد الأوروبي في مانهايم «زد إي في» ارتفع مجدداً بعد هذا القرار، لكن انعكاساته الإيجابية على الأسواق المالية لم تطل كثيراً، «لأن مشاكل هذه البلدان لم تختف كما كان متوقعاً»، على ما قال فولرابه. وكان اتحاد غرف التجارة والصناعة الألمانية أشار إلى أن استطلاع الخريف السنوي الذي أجراه أخيراً مع الأعضاء ال 28 ألفاً، أظهر أن 18 في المئة منهم فقط ينتظرون تحسناً في مبيعات شركاتهم بعدما كانت النسبة 25 في المئة مطلع الصيف الماضي. كما زاد في الفترة ذاتها عدد الذين يتوقعون تراجع المبيعات من 14 إلى 22 في المئة. وعلى رغم ذلك نفى اتحاد الغرف، أن «تكون ألمانيا تنزلق في اتجاه الركود الاقتصادي، وفي حال وُجد الحل لأزمة الديون الأوروبية سيعود الاقتصاد الألماني إلى الانتعاش في شكل أقوى». وفي مقابل التشاؤم، ظهرت بيانات وتحاليل إيجابية تشير إلى تمتّع الاقتصاد الألماني حالياً وللأشهر الستة المقبلة بوضع جيد. صحيح أن قطاع صناعة السيارات دخل مرحلة ركود فعلي في ما يخص مبيعاته في ألمانيا وأوروبا تحديداً، وأن الصناعة الكيماوية تسجل ضعفاً موقتاً في ديناميتها، وكذلك الحديد الصلب والإلكترونيات، إلا أن قطاعات أخرى مثل صناعات الآلات والبناء والتجارة والاستهلاك مؤهلة للانتعاش أو للحفاظ في أقل تقدير، على وضعها الحالي المقبول. وأفادت دراسة أعدها معهد الاقتصاد الألماني في كولونيا «إي في» على مدى سنة ونصف سنة، حلّل فيها اقتصادات 45 دولة بتكليف من وزارة الاقتصاد والتكنولوجيا، بأن الصناعة الألمانية «لا تنتمي إلى الدول الأفضل في العالم فقط، بل أيضاً إلى عدد قليل جداً من الأمم الصناعية التي تمكنت خلال السنوات ال 15 الماضية، من تحسين الأطر العامة للاقتصاد المنتج». وأضافت الدراسة أن الاقتصاد الألماني «يعاني مع ذلك ضعفاً هنا وهنالك، ولا بد أن تعمل الحكومة الألمانية على تجاوزه». وفي هذا الإطار، سجّل قطاع تصنيع الآلات الذي يعمل فيه نحو 976 ألف شخص أرقاماً قياسية هذه السنة بعد جمود لفّه طيلة العام الماضي، واستطاع تأمين 70 ألف فرصة عمل جديدة في البلاد. وتوقع اتحاد الصناعة الألمانية في تقريره الشهري الأخير، أن «يبقى الاقتصاد الألماني على طريق النمو العام المقبل»، على رغم ضغوط أزمة الديون في منطقة اليورو. وبعدما رأى أن آفاق الاقتصاد «غير سيئة العام المقبل»، لم يستبعد «تحسن وضع التجارة الدولية أيضاً مقارنة به هذه السنة، ما يفيد الصادرات الألمانية». وجدد تمسكه بنمو سيسجله الاقتصاد الألماني، نسبته واحد في المئة نهاية هذه السنة، ويزيد هذا الرقم على تقديرات الحكومة والخبراء. إلى ذلك، أعلنت مؤسسة بحوث الاستهلاك «غي إف كا»، أن مؤشر الاستهلاك في البلاد ارتفع في الشهر الحالي إلى 6.3 نقطة، وهو الأعلى منذ العام 2007. وبعدما لفتت المؤسسة إلى تنامي الاستهلاك بفضل ارتفاع الأجور والمعاشات، توقعت أن يصرف الألمان مالاً كثيراً في مناسبتي عيدي الميلاد ورأس السنة. وأشارت إلى تفضيلهم الشراء بدلاً من إبقاء سيولة في حوزتهم تحسباً لتداعيات محتملة لأزمة اليورو وخطر حصول تضخم مالي.