ربع قرن من الوفاء، هكذا يمكنني وضع العنوان الأقرب إلى تجربة إعادة إصدار صحيفة «الحياة»، الوفاء لماذا؟ للإعلام العربي وعقل القارئ، للشعار الذي وضعه ناشرها آنذاك «صحيفة عربية تحترم عقل القارئ»، فاحترمته وحفزته وساعدته في طرح الاسئلة وتلمس الإجابات، وفي الإبحار بالفكر العربي بكل ال«تيارات» وال«آفاق»، بحكمة الكهول وإقبال ال«شباب» وديموقراطية «برلمان الطفولة». وأنا أتصفح الملحق الخاص بالاحتفالية التي أقيمت في لندن، كنت واثقاً بأنني سأرى صور الرجال والنساء الذين خدموا «دار الحياة» بكل مكوناتها وتركوا العمل بها، يقين تشكل منذ حضرت مؤتمرات تحرير هذه الصحيفة التي كانت مناسبة للفكر والثقافة قبل أن تكون مناسبة للإعلام. كيف يسوغ الحياد أن تمتدح مطبوعة تكتب فيها؟ لا مسوغ هنا سوى الحب والانحياز، وتجربة مهنية امتدت لأعوام منذ منتصف التسعينات عرفت فيها كيف يكون الناشر محايداً، على رغم حساسية موقفه أحياناً ووضعه السياسي والاجتماعي، وكيف يكون أول الملتزمين بميثاق العمل الصحافي الذي كان سابقة صحافية عربية. في منتصف التسعينات عندما بدأت مكاتب الحياة في السعودية رحلتها نحو زيادة المحتوى السعودي في صحيفة لكل العرب، أتينا مجموعة من الشباب من مؤسسات مختلفة، جمعهم داود الشريان، وجرد قصصهم الموغلة في المحلية من جنسيتها، وبدأ يخوض معهم تجربة عولمة هذه القصص، وأعطاها أبعاداً تهم السياسي في واشنطن، ورجل الأعمال في الإمارات، والمفكر في المغرب، ولاعب كرة القدم في الدوري المصري، والناشر يراقب عن كثب، يستمهل هؤلاء الشباب المتحمسين الذين نضج مع الوقت تصورهم لمعنى أن يكون السعوديون جزءاً فاعلاً وحاضراً يومياً في خريطة هذه الصحيفة التي كانت دوماً ثاني أهم صحيفة في كل بلد عربي، نقولها هكذا ونعلم أحياناً أنها كانت الأولى في بلدان عربية ليست قليلة. تصاعدت التجربة وصقلت، حتى جاءت فكرة الطبعة السعودية السوق الكبرى، لتنضم إلى طبعات دولية كثيرة تصدرها هذه العريقة، ليأتي جميل الذيابي وينصب لنا فخاخاً من الإغراء ليقينه بعشقنا، العشق الذي جرب وخبر، وليكون المنتج الإعلامي ما ترون وتعرفون وتقرأون كل صباح على الورق، أو من خلال الموقع الإلكتروني. كثير منا ترك العمل الميداني والمكتبي متفرغاً مع الصحيفة، لكن جمعنا دوماً الفخر أن في سيرتنا الذاتية حضور هذه التجارب، وأننا تعرفنا إلى إدارة تتفهم معنى الصحافة وشغبها ولذاتها وغوايتها، فتحافظ دوماً على روح الصحافة في جسد إداري سليم معافى. هي مقالة للتهنئة، تهنئة الجميع وعلى رأسهم أنتم يا من تقرأون كل يوم الكلمة والخبر والدراسة والتحليل في هذه الرصينة التي كنا نخشى أن رصانتها ستجعل البعض يهاب اقتناءها، فأدركنا أن هذه المدرسة لها رواد كثر، كما أدرك فريق التحرير أنه في الإمكان أن تكون رصيناً ومثيراً ورشيقاً بكل احترام ونجاح. [email protected] @mohamdalyami