ما زالت إندونيسيا تعاني من مشكلة التدفق النقدي التي سببتها مخاوف من أن يقلص مجلس الاحتياط الفيديرالي (البنك المركزي) الأميركي، إجراءات الإنعاش النقدي، بما يؤثر سلباً على السيولة المتوافرة في الدول الناشئة، على رغم تعافي معظمها من هذه المشكلة. ويشبه الاقتصاد الإندونيسي نظيره الهندي في أمور عدة منها عجز الحساب الجاري، وضعف العملة، وارتفاع مستوى التضخم في شكل كبير جداً. ولذلك، قرر البنك المركزي الإندونيسي رفع سعر الفائدة مجدداً، بعدما كان اتخذ هذه الخطوة في كل اجتماعاته الشهرية منذ أيار (مايو) الماضي، باستثناء اجتماع تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، ليبلغ إجمالي الارتفاع 150 نقطة أساس. وأشار الاقتصادي في شركة «آسيا للاستثمار» كميل عقاد، إلى أن «المركزي الاندونيسي مدد خلال الشهر الجاري الفترة التي يقيد فيها سياساته برفع سعر الفائدة مرة أخرى بمقدار 25 نقطة أساس، ليشكل هذا الارتفاع مفاجأة للاقتصاديين، إذ أن من بين المحللين ال25 الذين شاركوا في استبيان بلومبيرغ، توقع محلل واحد فقط أن تشهد إندونيسيا ارتفاعاً في سعر الفائدة هذا الشهر، ليبلغ 7.5 في المئة، وهو أعلى مستوى منذ أربع سنوات». ولفت إلى أن «سعر صرف الروبية الإندونيسية انخفض 17 في المئة منذ حزيران (يونيو) الماضي لتصبح أسوأ العملات الآسيوية أداءً هذه السنة من بين 11 عملة كبرى، بما فيها الين الياباني». وأضاف: «على رغم استقرار العملة الشهر الماضي، إلا أنها ما زالت عرضة للتذبذب في شكل كبير، في حين يأمل المركزي الإندونيسي بأن يزداد التدفق الائتماني إلى إندونيسيا عبر رفع أسعار الفائدة، وبالتالي أن يقوي ذلك قيمة العملة التي تأثرت بارتفاع معدل التضخم، فأصبحت السلع المستوردة تكلف أكثر بالروبية الإندونيسية، ما يدفع المنتجين وتجار الجملة إلى تحميل ارتفاع الأسعار لتجار التجزئة والمستهلكين». وأوضح عقاد «أن زيادة الأسعار بين كانون الثاني (يناير) وأيار الماضيين، راوحت بين أربعة و5.5 في المئة على أساس سنوي، واستمرت بالارتفاع ليتجاوز معدل التضخم ثمانية في المئة على أساس سنوي منذ تموز (يوليو)». وإلى جانب دعم الروبية الإندونيسية، تهدف الارتفاعات في أسعار الفائدة إلى كبح الطلب عبر رفع أسعار الائتمان، الذي كان نموه كبيراً في أيلول الماضي حين بلغ 23 في المئة على أساس سنوي، ولكن يُتوقع أن تنخفض القروض مستقبلاً مع استمرار الارتفاع في أسعار الفائدة والتوقعات بمزيد من التشدد، بهدف تقليص عجز الحساب الجاري، خصوصاً عبر خفض الواردات. وأوضح أن «التضخم جاء نتيجة الزيادة السنوية في أسعار سلة من السلع والخدمات التي يطلق عليها اسم سلة «مؤشر أسعار التجزئة» وتحدد بناء على عادات إنفاق السكان. وتشمل السلة أسعار المواد الغذائية والمواصلات والسكن والخدمات والأنشطة الترفيهية. وفي إندونيسيا، كما في الدول النامية الأخرى، يشكل الإنفاق على المواد الغذائية أكثر من ثلث السلة، ولذلك يؤثر ارتفاع أسعار المواد الغذائية في شكل كبير على التضخم، الذي يمكن تفاديه عبر اتخاذ الهيئات النقدية قراراً برفع أسعار الفائدة، ما سيؤثر مباشرة على قدرة الإنفاق الفردي. وبالتالي، فإن «المركزي»، وعبر رفع أسعار الفائدة، يرفع كلفة الاقتراض، ما يدفع الأفراد إلى تقليل اقتراضهم وبالتالي تقليل إنفاقهم. أما خفض أسعار الفائدة، فمن شأنه أن يزيد النشاط الاقتصادي عبر تشجيع الاستهلاك، وفي إندونيسيا، يحدد مجلس محافظي البنك المركزي سعر الفائدة خلال اجتماعه الشهري، لتمكين إندونيسيا من إدارة السيولة في سوق النقد وتحقيق الأهداف التشغيلية الموضوعة للسياسة النقدية. وأضاف عقاد «سعر صرف العملة استقر خلال الأسابيع القليلة الماضية عند أكثر من 11 ألف روبية للدولار، بينما كانت الروبية عند أقل من 9800 للدولار قبل حزيران الماضي». وأشار إلى أن «الحكومة تركز على الحساب الجاري، والذي على رغم تحسنه خلال الربع الثاني من السنة وتسجيله 4.4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ما زال عجزه كبيراً في الربع الثالث حين بلغ 3.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي». وتوقع «المركزي» أن ينخفض العجز أكثر، بينما تعمل السلطات الحكومية على تحسين الحساب الجاري. وأكد وزير المال الإندونيسي شاتيب بسري أخيراً أن «خفض عجز الحساب الجاري أولوية، حتى وإن جاء على حساب النمو، وهناك سياسات تهدف إلى تعزيز الاستثمار الأجنبي وخفض الواردات ستطبق قبل نهاية السنة». ويُتوقع أن يشهد الاقتصاد الإندونيسي فترة من التضييق والتشدد، بهدف تقليل الأخطار الخارجية، في حين ستستمر أسعار الفائدة العالية برفع تكاليف الاقتراض على الشركات، كما ترفع عائدات السندات السيادية، وسينخفض التضخم مع انخفاض الطلب واستقرار سعر صرف العملة. وسيستمر نمو الناتج المحلي الإجمالي بالتباطؤ، بعدما بلغ 5.6 في المئة على أساس سنوي خلال الربع الثالث، وهو أبطأ معدل نمو خلال أربع سنوات، ولكن الإصلاحات الهيكلية التي تحاول الحكومة تنفيذها ستؤدي إلى رفع ثقة المستثمرين على المدى الطويل.