مهرجان التراشق بالطماطم الذي يقام سنوياً في إسبانيا، ويستهلك المحتفلون به 100 طن خلال أسبوع، لو أن هذا المهرجان كان معترفاً به في السعودية، لوصل سعر كيلو الطماطم إلى مستويات قياسية، وأصبح الحصول عليه من المستحيلات، ولظهرت سوق سوداء، ولرأينا وزير الزراعة يتنقل بين مزارع الطماطم، يحث المزارعين وتجار الطماطم على عدم الخلط بين الطماطم المخصصة لمهرجان الرشق وبين تلك التي تباع للناس من أجل الأكل. وتشكل وزارة التجارة فريقاً من المراقبين الميدانيين لاستغلال بعض التجار المشاركين في المهرجان ومراقبة الأسعار، بحيث لا يتم استغلال الطماطم المستخدم في التراشق من المطاعم ومصانع الصلصة بإعادة استخدامها. أقول الحمد لله أنه ليس هناك في السعودية مثل هذه الاحتفالات، وإلا لكان الطماطم اليوم يباع في محال العود والبخور، ويوضع في فاترينات فخمة، وربما كان يوزن بالقيراط. إذا كان السعوديون لا يحتفلون مثل الإسبانيين بمهرجان التراشق بالطماطم، فبماذا نفسر ارتفاع أسعارها الجنونية منذ أشهر عدة في المدن السعودية كافة بأسعار قاربت إلى حد الخيال، من يصدق أن سعر كيلو الطماطم وصل إلى بعض المدن 25 ريالاً، وفي مراكز التسوق تراوح الأسعار بين 10 و18 ريالاً، أما باعة العربات المتجولة فقد وصل سعر الكيلو إلى 8 ريالات، فبالله عليكم أين الحقيقة؟ ومن الذي يتلاعب بالأسعار؟ هل يخزن السعوديون الطماطم في ثلاجاتهم كلما انخفض سعره مثلما حدث قبل أعوام حينما حدث تلاعب في أسعار القمح والدقيق، فلجأ الناس إلى تخزين الدقيق، خشية حدوث أزمة والتلاعب بالأسعار في ظل غياب الجهة المعنية بمعالجة الأسعار ومراقبتها. الذي يحدث في سوق الطماطم، هو أن مصانع معجون الطماطم زادت في السعودية في شكل لافت، والكثير من مصانع الألبان والعصائر أدخلت لديها خطوط إنتاج جديدة من ضمنها معجون الطماطم بأحجام مختلفة وبأسعار منافسة، وارتفع استهلاك السعوديين، واستغل التجار والصناع الفوضى الموجودة في عدم وجود شركات تسويق للمزارعين في احتكار الشركات الكبرى لبعض المزارع وتخصيص كامل الكمية لمصانعها، وهو ما جعل السوق يتأثر في شكل مباشر بنقص الكمية المتوجهة إلى الأسواق والمستهلك النهائي، وليس هذا فحسب بل إن الأزمة الحالية التي يعيشها المزارعون في سورية قلصت تصدير الكميات المطلوبة إلى السوق السعودية، والحال كذلك بالنسبة إلى المزارع الأردنية واللبنانية، وفي وطننا العربي تعد مصر من أكثر الدول إنتاجاً للطماطم، إلا أن احتكار الشركات والتلاعب بالأسعار قتل المنتج المحلي أمام عشوائية التسويق وعدم وجود شركات أو جمعيات لحماية المنتجات الزراعية التي يستهلكها الناس، فقضى على الكثير من المنتجات وتركها عرضة للتلاعب. أسعار الطماطم في السعودية وصلت إلى مستوى لا يطاق من الأسعار للمستهلكين، وهناك شكوك من أن هناك من يتلاعب بهذا المنتج الغذائي، مستغلاً ظروفاً عدة، منها: عدم انتظام الكميات المطلوبة من بعض الدول وبخاصة من سورية ومصر، وربما سيدفع سعر الطماطم في المستقبل إلى مزيد من الارتفاع مع انتهاء مهلة التصحيح التي أعلنتها وزارة العمل والجوازات، وهذا يعني أن الطماطم مرشحة للمزيد من الأسعار مع غياب باعة العربات المتجولة وفي الطرقات التي كانت تبيع بأسعار مخفضة عن بقية المحال. فهل ستقف الجهات الحكومية وبخاصة وزارة الزراعة هكذا مكتوفة الأيدي تتفرج وتشاهد زيادة الأسعار من دون أن تتدخل أو تضع ضوابط، وزير الزراعة قال لنا قبل أشهر بصحيح العبارة، إن وزارته استطاعت بعد تجربة 80 عاماً لقيام البلاد من تحقيق اكتفاء ذاتي في البيض فقط، هذا يعني حتى نحقق اكتفاءً ذاتياً في السلع الأخرى نحتاج إلى مئات الأعوام حتى نتفوق في زراعة البطاطس والبصل وغيرها من الخضروات من دون أن نبحث عن حلول. صمت وزارة الزراعة وغياب الرقابة، أغضبا السعوديين، وأطلقوا الأسبوع الماضي حملة تحمل «خلوها تخيس»، والسعوديون إذا غضبوا ألحقوا بالمنتج خسائر فادحة، ولهم تجارب سابقة في ما مضى مع المنتجات الدنماركية وتجار الدجاج وغيرها من السلع، وعلى رغم أن الطماطم تعتبر من السلع المهمة في سفرة السعوديين، كونها تدخل في أكثر من إعداد طعام بين سلطات خضراء وسلطة طماطم وفي الكبسة والمضغوط وأنواع مختلفة من الأطعمة فإن مشروع المقاطعة قد لا يصمد طويلاً. مشكلة الطماطم التي ربما تغيب عن سفرتهم طويلاً، ربما تنضم إلى قائمة المنتجات الغذائية الفخمة، وتغادر سفرة البسطاء وذوي الدخل المحدود، ويصبح من يأكل سلطة الطماطم من ذوي الجاه ومن علية القوم في المجتمع. يمكن للجهات المختصة أن تعالج هذه المشكلة ولا تتركها عالقة بين يدي من يحتكر السوق من التجار والمستوردين أو أنها تعين أصحاب المزارع الصغيرة وتمدهم بمعونات ومساعدات وأيضاً تسهم في إنشاء شركات تسويقية للمنتجات الزراعية. وعلى رغم الإنتاج الكبير للمزارع السعودية من الطماطم التي تصل إلى أكثر من مليون طن سنوياً، إلا أن 60 في المئة من هذا المنتج يتلف سنوياً، نتيجة سوء البنية التسويقية، والحقيقة كنت أتمنى أن تحول بعض دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة إلى المجال الزراعي بالنسبة إلى الشبان بما يحقق اهتماماً بالزراعة لدى الجيل الجديد من الشبان وأيضاً التعامل مع الزراعة والمنتجات الغذائية بعملية جديدة ومتطورة، فالزراعة ليست أرضاً تحرث وتحصد، بل تتطلب عقلية تسويقية واستفادة من الصناعة الغذائية، وأيضاً من المساحات الزراعية الشاسعة، وواضح من تفاوت الأسعار وارتفاعها في شكل لافت إلى أن هناك توجهاً لتكون ضمن سفرة كبار الشخصيات، وقتها سنتلقى التعازي في فقد عنصر غذائي مهم من سفرة الفقراء. * صحافي وكاتب اقتصادي. [email protected] jbanoon@