يعد المغني والملحن السوري صفوان بهلوان من أهم الأصوات في العالم العربي، لما يمتاز به من قدرة على الغناء التراثي، واقتراب خامة صوته من صوت موسيقي الأجيال محمد عبدالوهاب. ولم يكن غريباً أن تكون حفلته في مهرجان الموسيقى العربية الثاني والعشرين في القاهرة، مميزة للغاية وسط اهتمام جماهيري وإعلامي كبير. يؤكد بهلوان ل «الحياة» أنه يفخر دائماً بالغناء في دار الأوبرا المصرية، « فالجمهور المصري ذواق بطبيعته، ما يجعل أي فنان حريصاً على تقديم أفضل ما لديه، خصوصاً أن جمهور الأوبرا مهما طال الغياب عنه يبقى كما هو، يملك القدرة على الإحساس والتذوق ولا يتأثر بالأحداث السياسية المتوترة التي تحيط به. ولا بد من الإشادة بالدكتورة إيناس عبدالدايم (مديرة الأوبرا) لحرصها الشديد على إقامة المهرجان على رغم الظروف الصعبة التي تعيشها مصر». ويشير إلى أن دورة المهرجان الأخيرة كانت مميزة لاستضافتها نجوماً يملكون قاعدة جماهيرية كبيرة، كما أن الحفلات كانت منظمة والقاعات مليئة بمحبي الطرب. ويوضح أن هناك طرقاً مختلفة للحفاظ على التراث الموسيقي من الاندثار، «من أهمها دار الأوبرا المصرية التي تقدم ثقافة فنية متميزة هدفها القضاء على كل ما هو مبتذل في الفن ويسيء إلى الذوق العام، خصوصاً بعد غياب الرقابة وانتشار بعض الفضائيات وبعض شركات الإنتاج الخاصة التي تقدم الغناء الهابط وتصيب عقل المتلقي ونظره بالتلوث السمعي والبصري». وعاد بهلوان بذاكرته إلى سنوات طويلة مشيراً إلى أن والده أحضر له آلة العود عندما بدا له أن موهبته الغنائية حقيقية، وكان والده يسمعه دائماً أغاني محمد عبدالوهاب، فكانت تشكل في نفسه حالة موسيقية خاصة. ومع الوقت أصبح عاشقاً بل متخصصاً في روائع عبدالوهاب. وعن أهم الأحداث التي أثرت في مسيرته الفنية، يقول بهلوان: «الحدث الأهم هو لقائي عبدالوهاب ولهذا اللقاء قصة طريفة، إذ قدم المذيع الشهير رياض شرارة في برنامجه «البث المباشر» أغنية «الهوى والشباب» بصوت عبدالوهاب، وأكملتها أنا. وبعد ذلك قال المذيع: «أعزائي المشاهدين لا بد أنكم كنتم تعتقدون أن من استمعتم إليه منذ قليل هو الفنان الكبير محمد عبدالوهاب، هو بالفعل عبدالوهاب الذي بدأ بمقاطع وانتهت بمقاطع أخرى موهبة شابة اسمها صفوان، فهل لكم أن تعرفوا أين بدأ عبدالوهاب وأين بدأ صفوان؟». انهالت الاتصالات الهاتفية من مستمعين عاديين ومن موسيقيين، وكانت هناك مكالمة من مدير أعمال محمد عبدالوهاب في لبنان روبير خياط وقال: «عبدالوهاب هنا ويريد أن يلتقي الموهبة الشابة صفوان وأبلغني شرارة بهذا، ووجدت نفسي مضطرباً ومتوتراً، إلى أن قابلته وجهاً إلى وجه في آب (أغسطس) 1970 وطلب مني أن أغني فغنيت له «الهوى والشباب» لكنني قدمتها بصوت متهدج من شدة الخوف. ورغم ذلك أثنى عليها عبدالوهاب. وأنا لا يمكن أن أنسى هذا اللقاء الجميل». ويرى بهلوان أن عبدالوهاب «كان يملك ثقافة فنية رائعة، والموسيقى كانت بالنسبة إليه كل حياته، فتكونت لديه ثروة فنية كبيرة، استطاع أن يوظفها في موسيقاه الشرقية مستخدماً في بعض الألحان مقام «الربع تون» ليكون اللحن بعيداً من اللحن الغربي الأصلي، وهو ما يدل على عبقريته ومهارته الفائقة». ويضيف: «أن تسبح في تراث عبدالوهاب وتعمل على إحيائه من جديد مسؤولية كبرى وتحمّلها يضيف إلى الفنان ولا يأخذ منه، لأن موسيقار الأجيال كان ولا يزال مرجعاً لجميع رواد التراث والغناء العربي الأصيل». ويرجع بهلوان ندرة المؤلفين الموسيقيين في العالم العربي إلى «أن تجربتنا الموسيقية في هذا المجال وليدة والجمهور العربي جمهور غنائي وكلمة موسيقى غالباً تعني غناء. ثمة محاولات جادة وجيدة لبعضهم، لكنها لم تلق التشجيع من المؤسسات الثقافية. ولا بد من دعم معاهد الموسيقى التي تثري الحركة الموسيقية وترتقي بالوجدان، بخاصة أن الأغنية العربية تعاني تردّياً، فنحن نعيش في فوضى غنائية قد تكون انعكاساً لما تمر به بعض البلدان العربية من اضطراب سياسي واقتصادي واجتماعي». ويشير المغني والملحن السوري إلى أن المنطقة العربية زاخرة بالمواهب الشابة التي تستحق أن تطل على الجمهور، «لكن للأسف الإعلام لا يدعم هذه الأصوات المتميزة ويركز على بعض عديمي الموهبة. ولا بد لهذه السياسة أن تتغير لأن دور الإعلام الإيجابي سيخدم الفن العربي، كما أن برامج اكتشاف المواهب أحياناً ما تقدم أصواتاً جميلة ولكنها تختفي سريعاً، وهذا الأمر ليس إيجابياً. وعلى شركات الإنتاج أن تدعم كل الأصوات الشابة التي تملك ثقافة موسيقية متميزة».