تُجهّز أول مغنية أوبرا سورية مجموعة من القصائد المُلحنة، لطرحها في الأسواق قريباً. تعمل لبانة القنطار وهي رئيسة قسم الغناء العربي وقسم الغناء الأوبرالي في المعهد العالي للموسيقى في دمشق، على الاستفادة من تقنيات الغناء الأوبرالي وتطبيقها على الغناء العربي. هواجس الموسيقى شغلت القنطار مثل غالبية أبناء وبنات مدينتها السويداء في الجنوب السوري، فحلمت أن تكون مثل الفنانة الراحلة أسمهان لما تجمعهما من قرابة عائلية. لكن القنطار تجاوزت أكثر الأحلام، فهي اليوم أول مغنية أوبرا عربية تشترك في مسابقات عالمية وتصنف بمراتب أولى، وحصلت على دبلوم في الغناء الأوبرالي من المعهد العالي للموسيقى في دمشق، ودبلوم في الغناء الأوبرالي من الكلية الملكية البريطانية في لندن، ودبلوم في علوم الموسيقى والغناء من جامعة ماسترخت في هولندا. لم تدرس منذ البداية فن الغناء، إنما اعتمدت على موهبتها وقدرتها الفردية فقط. بعد انتهائها من الدراسة الثانوية، لم تكن تدري بوجود المعهد العالي للموسيقى في دمشق الذي كان حديث العهد حينها. فدخلت كلية الاقتصاد التي لم تستمرّ فيها أكثر من أسبوع لتفتّش بعدها عن عشقها الأول وهو الغناء. تعرفت القنطار خلال هذه الفترة الى الأستاذ حميد البصري الذي نصحها بالدخول إلى المعهد العالي، يومها لم تعرف أنها ستأخذ دروساً في الغناء أو ما هو الغناء الأوبرالي الذي ستدرسه، لكنها استطاعت أن تطور صوتها بشهادة الأساتذة وتتقن ما تعلمته. فشاركت وهي في السنة الثانية مع الأوركسترا الوطنية السورية في حفلة إطلاق الفرقة وكانت أول مغنية سورية تشارك بحفلة أوبرالية عام 1993. وفي عام 1996 اقترح عميد المعهد الراحل صلحي الوادي اسمها لتشارك في مسابقة للغناء الأوبرالي تقام في بلغراد: «كانت فكرة النجاح ضئيلة في المسابقة، لأن احتكاكنا بالأوبرا كفن لا يزال قليلاً، وكنت أتوقع خروجي دائماً خلال مراحل المسابقة الثلاثة، وفي الوقت نفسه أشعر بالمسؤولية أكبر عندما أتقدم إلى المرحلة التالية. فحصلت على الجائزة الرابعة عالمياً، كما حصلت على الجائزة الأولى في تصويت الجمهور، ولم أكن قد تخرجت بعد في المعهد العالي في دمشق». بعدها رُشح اسمها إلى مسابقة الملكة إليزابيت للغناء، وهي مسابقة تقام كل 5 سنوات، هذه المسابقة ستغير حياتها وتزيدها ثقةً بنفسها ففيها قدمت 30 قطعة من مختلف المدارس الموسيقية العالمية من الليدر والأوبرا والباروك والغناء الحديث، وعندما طلب منها أن تؤدي أغنية من تراث المكان الذي تنتمي إليه، غنت «يا طيور» للراحلة أسمهان ومن ألحان محمد القصبجي. انتابتها مشاعر مختلطة على مسرح المسابقة وفي التحديد خلال المراحل النهائية: «أعرف أني لا أمثل نفسي فقط هناك، إنما أمثل بلدي والعرب جميعاً، وكان هاجسي كيف أوحي لهذا الجمهور الممتد من كل أوروبا أني قادرة على التفوق». خلال شهر (مدة المسابقة) كانت تسمع المعلقين في الإذاعات الأوروبية، يؤكدون أنهم يريدون الاستماع لما ستقدمه هذه الفتاة العربية. اما أصدقاؤها في المعهد كانوا يستغربون متسائلين: «كيف تستطيع أن تصل إلى المراحل النهائية في المسابقة وقد أتت كي نعلمها فتفوقت علينا». في نهاية المسابقة حصلت على التكريم الملكي، بعد أن نالت المرتبة الخامسة على مستوى العالم: «هذه المسابقة عززت من ثقتي بنفسي، وتركت لدي إيماناً أكبر بإمكاناتي». أسست عام 2004 قسم الغناء العربي في المعهد العالي للموسيقى، ثم أتبعته بفرقة الغناء العربي في عام 2006 بالاشتراك مع الموسيقي السوري كمال سكيكر: «نشأتُ على الغناء العربي، لذلك أتت فكرة تأسيس قسم للغناء العربي في المعهد، أما الفرقة فهي تعمل كرديف لهذا القسم ومن خلالها نعمل على تقديم أصوات لشباب ومغنين يستحقون أن تظهر تجاربهم ويتعرف اليها الجمهور». لكن مشاكل ضعف التمويل أرهقت فرقة الغناء العربي، فالقنطار هي المديرة والمُدرسة وحتى منسقة العلاقات العامة في الفرقة التي تحاول حمل مشروع ثقافي للمنطقة، وترجع القنطار المشاكل إلى «ضعف العمل المؤسساتي، وندرة المؤسسات التي تدعم الثقافة في سورية، إضافة إلى الظروف الثقافية العامة التي تتحكم بمجتمعاتنا وما تروجه شركات الإنتاج». وأدت القنطار الدور الرئيسي في أوبرا «لاترافياتا» في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس. وشاركت مع أوركسترا الأوبرا الوطنية البلجيكية بقيادة فريدريك بلييار، وكذلك في دار أوبرا دو موني، وشاركت في أداء القداس الجنائزي للمؤلف فيردي مع الأوركسترا الوطنية الإنكليزية، وعملت في دار أوبرا (بريمن) مدة سنتين، كما لعبت الأدوار الرئيسية في المسرح مثل فيوليتا، وكارمن، وملكة الليل وهي تؤكد أن «الغناء الأوبرالي شكّل لديّ حالة وجدانية عميقة، فالغناء بمصاحبة الأوركسترا والتداخل والتصعيد بالعمل الدرامي كل هذا يجعل المغني يعيش حالة تماهٍ تامة مع الأوبرا». لكن، على رغم كل ما أنجزته القنطار على صعيد الموسيقى، وتقديمها أعمالها على مسارح عالمية تأتي نحوها إحدى مذيعات التلفزيون السوري على احد المسارح لتسألها: «ممكن تعرفينا على حضرتك؟ بما إنك مشاركة في الحفلة»، كما نصحها القائمون على الإذاعة والتلفزيون السوري، بعدم تسجيل إحدى أغنياتها، لأنها «لن تنجح» وفق زعمهم، كانت القصيدة بعنوان «شقراء»، من ألحان الموسيقي كمال سكيكر وكلمات الشاعر السوري الراحل بدوي الجبل. وعام 2008 اختيرت لتمثل سورية في مهرجان «النساء يغنين» الذي أقامته الأمانة العامة لدمشق عاصمة للثقافة العربية، يومها عرف جمهور دمشق صوتها يؤدي أغاني زمن العمالقة أمثال أم كلثوم وأسمهان وليلى ومراد باتقان جعل حفلتها التي أقيمت في قصر العظم وثيقةً موسيقية سورية بشهادة كثر من النقاد والمختصين: «حفلة قصر العظم ومن ثم الحفلة التي أقيمت في دار الأوبرا، استمتعت فيهما لأنني وجدت جمهوراً يتقن الاستماع إلى الموسيقى، من دون أن يربطها بالرقص والتسلية، وهذا اوجد تبادلاً عكسياً لدي فاندفعت لأقدم أفضل ما عندي حتى أؤكد حضور ما أحمله من مشروع موسيقي وثقافي على المسرح». خلال تقديمها أغاني من التراث أو أغاني لمطربين عمالقة رسخوا في الذاكرة الموسيقية العربية، حافظت لبانة القنطار على اللحن والتوزيع الأصليين، في محاولةٍ لنقل هذه الأغاني إلى جمهور اشتاق سماعها، فلم تغيّر في التوزيع أو تجري أي تدخل على الجملة الموسيقية بعكس ما يروج اليوم على أنه أغانٍ تراثية على الساحة الفنية: «هناك من يحاول تقديم التراث لكنه لا يقدمه بالشكل الصحيح، بل يمزجه بأنواع وأشكال موسيقية أخرى، وهذا خطر كبير لأن التراث له هويته، كما للجاز هويته، أو لأي نوع غنائي آخر هوية خاصة به، وهذه العملية تهدد تراث المنطقة وهوية الغناء فيها». وتضيف: «هؤلاء يحاولون إنتاج تراث على الريحة، وهذا خطر كبير إذا عوّل عليه». تعمل القنطار اليوم على تلحين مجموعة من القصائد لتقدمها بعيداً من شروط شركات الإنتاج، كما تسعى للتعاون مع ملحنين لتتعامل معهم، كالموسيقي السوري عاصم مكارم، ولا يبدو لديها مشكلة لو تأخر المشروع بسب ظروف الإنتاج الشحيحة، إنما تريد أن يخرج المشروع بعيداً «عما يسعى البعض لترسيخه من ثقافة الدبكة، ولا اعتراض لديّ على الدبكة التي هي جزء من تراث، لكن اعتراضي على المستوى الهابط الذي تقدم فيه الأغنية في شكلها العام، وهذا ما أحاول أن أغيره».