لا يكاد يجد الدالف إلى المسجد الحرام هذه الأيام والليالي الفضيلة، موضعاً لقدمه في أروقة وممرات البيت العتيق، الذي اكتظ عن بكرة أبيه بجموع المصلين الذين قدموا من شتى الأصقاع، طلباً للثواب بعد أن ضربوا بعبارات التحذير الطبية من التجمع في مواقع الاكتظاظ البشري عرض الحائط. وتعجز الكلمات عن تصوير المشهد المهيب الذي يسطره المعتمرون والمصلون داخل بيت الله الحرام، الذين رسموا لوحة روحانية عطّرتها مخافة الله، وزانتها أصوات شجية تصدح بالتكبير تارة، وقراءة القرآن في أخرى بهاءً، بينما كساها اللون الأبيض حلة إيمانية تتقزم أحرف الأبجدية قبل أن تصفها. ويتكبد من يرغب بالظفر بموقع للصلاة داخل الحرم المكي عناءً لا يوصف، يبدأ من الانتظام في صفوف طويلة، تبدأ من الساحات الخارجية المحيطة بالمسجد، تمر بمنحنيات وتعرجات من بين الأكوام البشرية المنتشرة هنا وهناك، والتي تتحرك أمواج المصطفين بينها قبل أن يصلوا إلى داخل المسجد، الذي قد يفلحون في الحصول على موقع داخله، وقد لا ينالون مرادهم، ويبدأون سلسلة أخرى من المعاناة لشق تلك الأمواج المتدفقة والخروج بحثاً عن موضع قدم خالٍ. وسن بعض الميسورين مادياً طريقة جديدة للظفر بأماكن مميزة من دون تكبد تلك المشقة، فلجأوا إلى من يسمون مجازاً ب « المصلواتية» وهم أشخاص يكونون عادة من طلبة العلم في المسجد الحرام، ذوي الظروف المادية المتردية، أو الفقراء والذين يقضون أيام وليالي الشهر الفضيل في المسجد الحرام، إذ يحجزون مواقع يفرشون عليها قطعاً من السجاد ويمنعون المصلين والمعتمرين من الاقتراب منها بحجة أن « المكان محجوز» وينتظرون داخل الموقع حتى يصل المستأجر الميسور، الذي يستقبل بعبارات الترحاب قبل أن يقدم له كأس بارد من ماء زمزم يتفرغ بعدها للعبادة. وبحسب أحد «المصلواتية» فضل عدم ذكر اسمه فإن أجرة توفير الموقع تختلف من شخص لآخر، وبحسب عدد الصلوات التي يرغب المستأجر في تأديتها داخل المسجد الحرام ، وذكر أن جل زملائه يتركون الأمر لذوق وكرم المستأجر، شريطة أن لا يقل المبلغ الذي يتقاضونه عن كل مصلٍ 1500 ريال. وكشف مصدر مطلع في الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف أن فرق الرئاسة تصادر أكثر من 500 سجادة يومياً، وتمنع منعاً باتاً إيجار أرضية المسجد الحرام، مشيراً إلى أنها تقدم كل من يضبط ويثبت تأجيره للمواقع إلى الجهات الأمنية، تمهيداً لإنزال عقوبات قضائية بحقه. وتباينت آراء المجتمع المكي حول «المصلواتية» ففي الوقت الذي وصف فيه أستاذ الفقه الدكتور صالح الغامدي الظاهرة بالموجة «الدنيئة» التي يسعى المنتمون إليها، إلى تأجير أرضية المسجد الحرام وبيع مواقع الصلاة إلى ميسورين مادياً يرغبون في «الوجاهة» واحتلال المواقع المتقدمة بمقابل مادي.وطالب بإنزال العقوبات بحقهم وتكثيف الدوريات الأمنية داخل المسجد الحرام والقبض عليهم. في المقابل نجد أن أحد رجال الأعمال حمل لواء الدفاع عن «المصلواتية»، مشيراً إلى أن ظروفهم المادية المتردية تدفعهم إلى مساعدة الميسورين وحجز مواقع الصلاة لهم، لافتاً إلى أنه حجز موقعاً داخل صحن الطواف لتأدية صلاتي العشاء والتراويح من دون أن يشترط المصلواتي الذي أمن الموقع مبلغاً معيناً «إلا أنني أعتزم أن أكافئه بثلاثة آلاف ريال».