لا يزال معرض «عُمان والبحر» الذي يستضيفه المتحف البحري في باريس، وبعد مرور شهر على افتتاحه، يجذب أعداداً كبيرة من الزوار الفرنسيين والأجانب على السواء، منافساً في ذلك حشد المعارض الفنية الغنيّة الذي تشهده العاصمة الفرنسية منذ مطلع موسم الخريف الخاص بأكبر الأسماء في عوالم الرسم والنحت والتصوير الفوتوغرافي. وكان الرواج الذي لاقته السهرة الافتتاحية للحدث قد سمح بتوقّع مدى شعبية المبادرة التي تُحوِّل كل من يعبر مدخل المتحف إلى سندباد بحري يعيش مغامرة تنقله خمسة آلاف سنة إلى الوراء، قبل أن تعيده إلى القرن الحادي والعشرين إثر اكتشافه مئات التفاصيل المثيرة الخاصة بالروابط التي تجمع بين الشرق والغرب، وبين سلطنة عمانوفرنسا في شكل خاص. ويكمن ذكاء فكرة السندباد المذكورة في كونها تشد انتباه الصغار أيضاً، وهم بالتالي يأتون لزيارة المعرض في صحبة البالغين، خصوصاً خلال فترة العطلة المدرسية التي عرفتها فرنسا أخيراً على مدار أسبوعين كاملين. ويدور معرض «عمان والبحر» حول تاريخ سلطنة عمان وحكايتها مع البحر والملاحة التجارية والروابط التي تجمع بينها وبين فرنسا على أكثر من صعيد، لا سيما البحر. ويسلّط الحدث الضوء على روعة عُمان من الناحية الجغرافية أولاً، حيث المناظر الخلابة من صحراء وجبال وشواطئ ومحيط وشمس مشرقة ومناخ معتدل، إضافة إلى هندسة معمارية ساحرة، وكل ذلك في شكل يشبه همزة الوصل بين الهند وأفريقيا. ويتخيل الزائر إثر عبوره مدخل المتحف أنه اقتحم عالم السندباد، خصوصاً أن اللافتات التي تزين المكان تعلن بوضوح أن شخصية السندباد البحري مستوحاة أصلاً من بحار عماني عاش في القرن السابع الميلادي وواجه الأخطار بشجاعة من أجل أن يقطع المسافة بين مسقط وكانتون في الصين، بهدف تطوير الملاحة التجارية ونقل البضائع المكونة آنذاك من البهارات والبخور والنحاس والحرير والأقمشة الهندية. وعرفت عمان أوج نشاطها البحري بين القرنين السابع والخامس عشر، واعتبرت محطة لم يقدر العالم الغربي على تجاهلها ومركزاً للتبادل الثقافي والتجاري بين الحضارات المختلفة. ويروي المعرض كيف تسعى عُمان في الوقت الحالي لاستخدام ماضيها في الملاحة البحرية لبناء حاضرها ومستقبلها. ويسمح المعرض باكتشاف الأدوات التي كان يستخدمها العمانيون في الماضي لدى تنقلهم في الصحراء مثلاً ومن أجل معرفة طريقهم، وأبرزها أداة «الكمال» البسيطة في تصميمها الخشبي ولكن ذات الفعالية المثالية، والتنقلات البحرية عن طريق البوصلة بطرازها القديم. وعلى مدار الجولة، يكتشف الزائر كيف تطورت هذه الأدوات كلها، أو حتى كيف تغيرت طريقة استعمال الواحدة منها كلما تقدمت التكنولوجيا، إلى أن بلغت حدها الراهن. كما يلقي المتجول في أرجاء المعرض نظرة على الرسوم والخرائط التي وضعها الأميرال الفرنسي فرانسوا إدمون باريس، خبير الشؤون البحرية الذي طاف العالم فوق المحيطات ثلاث مرات في منتصف القرن التاسع عشر. وتوضح المستندات المعنية كيف أن باريس صادف في رحلاته طريق سفن ومركبات غير غربية ومتطورة إلى أكبر حد، مكتشفاً في ما بعد أنها كانت عمانية، الأمر الذي جعله يدوّن في دفاتره عبارات من نوع «البحرية العمانية قادرة على تلقين دولنا الغربية أكثر من درس في شؤون الملاحة». ويستمر معرض «عمان والبحر» حتى الخامس من كانون الثاني (يناير) 2014.