شعرت ببعض الارتياح عندما اكتشفت أن كاترينا فاندن هوفل لا ترى في جائزة نوبل مقياساً حقيقياً للاستحواذ على الاعتراف الدولي. لم أستطع أن اتفق معها على أكثر من ذلك. وفي مقال قصير وسخيف لصفحة الآراء في «واشنطن بوست»، تنوح محررة مجلة «نايشن» على عدم نيل «التقدم» في تفكيك المخزون الكيماوي السوري الاهتمام الذي يستحق على رغم تخصيص أوسلو جائزتها السنوية لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية. وتحلت [فاندن هوفل] بما يكفي من الشجاعة للاعتراف أن عدم الاهتمام يرجع إلى عدم اكتمال العملية بعد. ففي نهاية المطاف، ما زالت أسوأ كارثة إنسانية في القرن الواحد والعشرين مستمرة من دون كوابح. تعتقد فاندن هوفل أن علينا منح سورية المزيد من الاهتمام وتكتب «تبدو الديبلوماسية المتعلقة بأسلحة سورية الكيماوية ناجحة جزئياً... لأن روسيا استخدمت سلطتها ومكانتها...». هذه رؤية إلى التاريخ الحديث مستمدة من قصص الساحرات الطيبات. في الواقع، نصبت روسيا فخاً للولايات المتحدة وصورته على أنه مخرج طوارئ للرئيس أوباما لينجو من السياسة الكارثية والمرتبكة المتعلقة بسورية والتي صنعها بنفسه. يضاف إلى ذلك أن الصفقة التي تشيد فاندن هوفل بها، تحفل منذ البداية بالثغرات وتتلاعب دمشق وتتحكم بها. ولاحظ الكاتب في «فورين بوليسي» كولوم لنيش في مقال حديث له حول قرار مجلس الأمن الدولي الذي أتاح تدمير المخزون الكيماوي السوري، أن الكرملين حرص على إدخال الكثير من الفقرات الشرطية إلى حد يفرغ الاتفاق من مضمونه. كبداية، لا يتضمن القرار آلية لا نزال العقاب بالنظام إذا أخفق في الالتزام بنزع أسلحته؛ سيتعين، أولاً، على فريق من ديبلوماسيي الأممالمتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيماوية الاجتماع ليقرر إذا وقعت أي مخالفة. وحرصت روسيا على أن تكون المخالفات هذه «غير قابلة للنقاش ومثبتة» وتتسم بقدر كاف من «الخطورة» بحيث تستدعي عملاً لاحقاً، وتحديداً صدور قرار تحت الفصل السابع قد يجيز استخدام القوة العسكرية. ومن دون شك، سيكون لروسيا كلمة في ما يشكل مخالفة «غير قابلة للنقاش ومثبتة». ربما تتذكر فاندن هوفل هنا أن موسكو مستمرة في إنكار استخدام بشار الأسد الأسلحة الكيماوية ضد شعبه قرب عاصمته. ويستمر الكرملين بكل «سلطته ومكانته» في الاعتماد على ما تقوله مواقع الإنترنت المتخصصة في نظريات المؤامرة وراهبة مشبوهة وغريبة الأطوار [الراهبة اغنيس مريم الصليب] ليعزز ادعاءاته أن هجمات 21 آب (أغسطس) بغاز السارين في الغوطة شنها متمردون حصلوا على المواد السامة من دولة خليجية. أخيراً، لم يحل قرار مجلس الأمن أي من أعضاء الدائرة الضيقة في النظام أو في الجيش إلى المحكمة الجنائية الدولية كمسؤول عن الفظاعة التي ارتكبت. بدلاً من ذلك، اعتبر القرار المسؤولين عن الهجوم والفاقدين للشرعية شركاء ضروريين في مواجهة نشر الأسلحة، ما يمنحهم رخصة بالقتل بكل الوسائل باستثناء السلاح الكيماوي. لهذا يخطط الأسد لخوض «إعادة الانتخاب» في 2014 وما زال يصنف خصومه «كإرهابيين» يتعين قتلهم وليس التفاوض معهم. ولهذا أظهر في مقابلاته التلفزيونية الأخيرة ثقة متجددة بقدرته على البقاء على الأمد البعيد. ولهذا ترسل إيران «المئات» من قواتها للقتال والموت إلى جانب قوات النظام. ولهذا زادت روسيا مبيعات الأسلحة إلى النظام وفق ما أعلن السفير الماكر والذليل روبرت فورد أمام مجلس الشيوخ. وبالإضافة إلى التعقيدات التقنية الكبيرة والأخطار الأمنية لعملية تفكيك ونقل الأسلحة الكيماوية السورية، وطلب وزير الخارجية السوري وليد المعلم الإبقاء على عدد من المنشآت الكيماوية لتحويلها إلى منشآت ذات استخدام مدني سائراً على سنة استنها صدام حسين، ما يلقي بظلال من الشك حول نوايا بشار الأسد، تتعين الإشارة إلى أن التقدم في عملية السلام الذي تشيد به فاندن هوفل قصة أخرى من قصص الساحرات. فليس للولايات المتحدة أي حليف في الميدان يمكن الادعاء أنه يمثل الكتلة الأكبر من القوى التي تقاتل الأسد. المجموعة الوحيدة التي يمكن إغراءها بالمشاركة في جنيف 2 («ائتلاف المعارضة السورية») وضع رحيل الأسد شرطاً مسبقاً للمفاوضات. وتبني «القاعدة» إمارتها حالياً في شمال سورية وتعزز قوتها كل يوم. في غضون ذلك، تصر روسيا على حضور إيران المؤتمر على رغم وجود عناصر «الحرس الثوري الإيراني» إلى جانب جيش النظام وتدريبها الميليشيات الطائفية على قتل المتمردين السوريين الذين تعتقد الولاياتالمتحدة أنهم مؤهلون للمشاركة في المفاوضات. ووفقاً لوسائل الإعلام، تعتقد موسكو أن المعارضة السورية تشمل أيضاً عم بشار (رفعت الأسد مهندس مجزرة حماة في 1982 والذي يقيم في باريس منذ ثلاثة عقود) والنائب السابق لرئيس الوزراء قدري جميل الذي طالب في مقال في جريدة «البرافد» – وليس غيرها- «بتعويضات» حرب من تركيا)، وهيثم مناع المسؤول في «هيئة التنسيق الوطني» التي ينظر إليه كمقرب من طهران والذي قال في تشرين الأول (أكتوبر) 2011 أن المتظاهرين السلميين يحصلون على المال لينزلوا إلى الشوارع). إذا كان هذا هو التقدم، يا كاترينا، فما هو الفشل؟ * معلّق، عن «فورين بوليسي» الاميركية، 6/11/2013، إعداد حسام عيتاني