يد الموت خرج الموت من منزله صامتاً هادئاً مفكراً. دخل على الصالة الطويلة التي يتمدد في جنباتها عشرات الجرحى والمشوهين. مر على وجوههم بيده واحداً واحداً، كلما وضع يده على وجه أسلم صاحبه الروح بهدوء. في الخارج كانت الشاحنات الرصاصية جاهزة، ألقيت الجثث بعضها فوق بعض، وضعت جميعاً في قبر واحد، طويل وعريض، مثل الصالة التي اصطفوا فيها، قبل أن يسمل الموت عيونهم. في الخارج حيث الطرق الضيقة والمزارع والمنازل كانت تتم تصفية منظمة. من خلف العمارات وأسطحها ومن خلف العربات وجهاً لوجه، وعلى حين بغتة. من هناك كان يؤتى بالمصابين، والمحتضرين، ليمر الموت عليهم حزيناً صامتاً مهموماً، حيث يمرر يده على وجوه الجميع. لكن حين بدأت الحصيلة تتكاثر أصبح الموت يقف على الممددين يمرر يده، مثلما يفعل الرقاة أو مثلما يفعل بابا روما، أو الدالاي لاما، ليموت الجميع، جميع الممددين والسائرين، والصارخين، والراكضين، بهدوء. شعر الموت في لحظة، أنه يحتاج إلى المزيد من الوقت، ليؤدي مهمته. خطاب اعتلى الرئيس المنصة. كان يلبس نظارة سوداء، تغطي ثلاثة أرباع وجهه المدور. النياشين تزين صدره وكتفيه. نظراته رصاص حي، يوزعه على الجميع. قال وهو يحرك يده، التي تحمل عصاة، من الأبنوس الفاخر، وكأنه قائد أوركسترا، يوجه العازفين: «إنني الآن أمثل كل واحد منكم، ألمكم ألمي، رفاهيتكم رفاهيتي، باختصار أنا الشعب وأنتم الشعب». تصفيق حاد، ثم سكوت تام. دخل السيد الرئيس، بعد ذلك في كلام كثير، حول الأمور كافة، لم يترك أحداً لم يعرّج عليه، كان يوزع رصاصه ووروده، في شتى الاتجاهات، وبين آونة وأخرى يتلمس كأس الماء، ثم يقرطعه دفعة واحدة، ساعة، ساعتين، ثلاث. ظل السيد الرئيس، يخطب من شرفته العالية، يحجبه إطار زجاجي، لا يخترقه الرصاص القادم من تحت، أمام، فوق، جنب. كان مثل سمكة في حوض زجاجي، لكنها ترفس في الاتجاهات كافة. نبهه حارسه الشخصي قائلاً: «سيادة الرئيس، لا أحد هناك! كلهم انصرفوا، واحداً واحداً، انصرفوا بهدوء!». مد الرئيس يده. استل سلاحه. أطلق رصاصة واحدة على الحارس، وظل يخطب. رأسه في السماء. يده تتلمس كأس الماء. بين آونة وأخرى. استحواذ امتد طابور النمل الأحمر. كانت بعض ملامح أفراده قاسية، حاسمة. بعضها على عجلة من أمره. لكن أفراد الطابور، كانوا أمام هدف واحد، التهام قطعة السكر، التي تلمع كالجوهرة. لا أحد حولها، لا تخص أحداً على الإطلاق. قالت نملة من خارج الطابور: - هذه القطعة، قد لا تخصهم، لكنها بالتأكيد، سوف تفيدهم، هم يبلعون كل قطعة، لا صاحب لها، لا أحد يستطيع الدفاع عنها. في الوقت الذي كان فيه أفراد الطابور الأحمر، يقومون بمهمتهم خير قيام، كان النمل الأصفر، يخرج من جحور متباعدة. يراقب سير عمليه الاستحواذ، على قطعة السكر من دون أن يقدم رجلاً أو يداً أو رأساً، لكن واحداً منهم، قال بلا مبالاة: من استطاع الحصول على شيء فهو له، لكن نملة صفراء نزل عليها القلق. ربما يأكلهم النمل الأحمر. التف النمل الأصفر، شكل طابوراً دائرياً محكماً، غطى في لحظات، على كل شيء، السكر، النمل الأحمر.