هل وصلتكم توقعات تيرى رود لارسن حول لبنان وسورية والمنطقة؟ ولإنعاش الذاكرة نقول إن لارسن موفد الامين العام للامم المتحدة بان كي مون لتنفيذ القرار 1559. يقول: «إن لبنان يواجه الوضع الأخطر في تاريخه منذ انتهاء الحرب الأهلية». يضيف: «ان لبنان يتجه بسرعه قياسية الى وضع خطير للغاية نتيجه توقع استمرار تدفق اللاجئين السوريين اليه معطوفاً على تفاقم ازمة الفراغ السياسي مما قد يحول دون انتخابات رئيس جديد للجمهورية خلفاً للرئيس ميشال سليمان». ويطالب الموفد الأممي مجلس الأمن الدولي بأن يجمع على إقامة «منطقة انسانية» داخل سورية التي تتحول أكثر فأكثر «ارض عصابات». ويضيف: «ان لبنان يواجه وضعاً عصيباً بسبب التدفق الهائل للاجئين السوريين اليه فضلاً عن الفراغ السياسي المتزايد في البلاد»، ويحذر، خصوصاً مع انقطاع التيار الكهربائي في مناطق واسعة من سورية، حول انتخابات رئاسة الجمهورية. ويذهب لارسن أبعد ليعرب عن تخوفه من قيام مصاعب محتملة امام انتخاب رئيس جديد للجمهورية خلفاً للرئيس ميشال سليمان الذي تنتهي ولايته الصيف المقبل، مما قد «يدفع لبنان بسرعة قياسية الى وضع خطير للغاية». ويضيف: يترافق كل ذلك مع وجود محنة اهلية بوجود ارهابي على الارض، ليصل الى الاستنتاج: «ان لبنان يواجه اليوم الوضع الاخطر في تاريخة منذ اندلاع الحرب الاهلية في سورية المجاورة». وفي الجلسة الخاصة التي عقدها مجلس الامن الدولي الخاص بلبنان اصر تيري رود لارسن على احاطة اعضاء المجلس ب «رؤياه» الخاصة عن لبنان، وطالب المجتمع الدولي بإقامة «منطقة انسانية في سورية لتقديم المساعدة والمأوى للاجين كي لا يذهبوا الى الدول المجاورة». وقدم لارسن مطالعة امام اعضاء مجلس الامن الدولي حول ما تبقى من بنود القرار 1559، فقال انه عبر عن «خيبة امل» لأن ثمة بنوداً لم تنفذ بعد. وانتقل رود لارسن للحديث عن الوضع في سورية فقال: «والسيناريو الارجح هو استمرار الفوضى وتحول سورية ارض عصابات لوقت طويل جداً، بصرف النظر عن النظام الذي يحكم... وانني آمل في حصول حل سياسي وديبلوماسي، وان ينعقد مؤتمر جنيف-2 للتعامل مع المواضيع المطروحة، علماً ان هذه المواضيع معقدة جداً والهوة بين المواقف كبيرة جداً». وتوقع ان يتضاعف عدد اللاجئين السوريين «او الساعين الى الحصول على اعانة في لبنان»، متوقعاً ان «يتجاوز عدد هؤلاء المليون شخص بحدود نهاية السنة الجارية، اي ما يوازي ربع سكان لبنان». ويتوغل السفير رود لارسن أكثر فأكثر في التفاصيل اللبنانية. فقد لاحظ ان «المأزق السياسي الذي أدى الى استقالة حكومة رئيس الوزراء نجيب ميقاتي يبدو انه يزداد عمقاً»، وانه «ليس في الافق نقاش جديد في شأن التدابير الانتخابية منذ ارجاء الانتخابات النيابية». وفي الاحاطة التي قدمها السفير رود لارسن الى مجلس الامن وفق الزميلة «النهار» والزميل علي بردى، توسع في التفاصيل اللبنانية الدقيقة والداخلية والتي يعرفها معرفة جيدة، فقال: «ان تورط عناصر لبنانية مختلفة مع طرفي الحرب السورية، يشكل مصدر قلق»، وان الاعتراف العلني ل «حزب الله» في ايار (مايو) الفائت، بتورطه العسكري في سورية يشكل نقطة تحول في تصعيد التوترات في لبنان، كما التفجيرات الارهابية التي شهدتها البلاد منذ ذلك الحين، وذكر ان اعضاء مجلس الأمن «أظهروا وحدة ثابتة في دعم استقرار لبنان وسياسة النأي بالنفس ومؤسسات الدولة بما في ذلك الرئيس ميشال سليمان لقيادته القوات المسلحة اللبنانية وأدائها الصلب». وأضاف: ان مبادرة الامين العام للامم المتحدة ادت الى تشكيل مجموعة الدعم الدولية للبنان و «شكلت فرصة اضافية للتعبير عن التزام المجتمع الدولي استقرار لبنان ولتشجيع الحوار لحماية لبنان من اثر الازمة السورية»، وأكد ان هذا الدعم من المجلس والمجتمع الدولي مهمان لتشجيع استمرارية مناعة لبنان في مواجهة الضغوط المتزايدة». لكنه حذر من انه «في غياب الاتفاق على تأليف حكومة يمكن لبنان ان يدخل مرحلة المزيد من المجهول من دون القدرة على التعامل بفاعليه مع التحديات الامنية والانسانية الطارئة». وفي جانب آخر من الازمة اللبنانية كرر رود لارسن ان بنوداً لا تزال عالقة في القرار 1559 وهي تتعلق بنزع الاسلحة وحل المليشيات وترسيم الحدود اللبنانية - السورية، محذراً من «ان الاحتفاظ بالسلاح من حزب الله وغيره من الجماعات اللبنانية يشكل تحدياً متواصلاً لقدرة الدولة على ممارسة سيادتها وسلطتها الكاملتين على اراضيها». وحض «حزب الله» على فك ارتباطه بأي نشاط عسكري «في لبنان او خارجه». ومضى رود لارسن في أطروحته عن الوضع اللبناني فدعا الى معاودة جلسات الحوار الوطني وفقاً لما يدعو اليه الرئيس ميشال سليمان، كما دعا الحكومة السورية الى استجابة طلب الحكومة اللبنانية ترسيم الحدود بين البلدين طبقاً لما جاء في القرار 1680. وقبل ان يختم هذه «الاطروحه»، أبدى اعجابه بمناعة لبنان في مواجهة تحديات الأزمة في سورية، لكنه تساءل: «الى متى يمكن لبنان ان يصمد امام الضغط من غير ان ينضوي كل الاطراف اللبنانيين في المصلحة الوطنية للمحافظة بفاعلية على استقرار البلاد بدعم اقليمي ودولي». وانتهى الى القول: «ان تأليف الحكومة الجديدة يشكل اختباراً رسمياً في ظل الحاجة الى تلافي خطر الفراغ السياسي مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية»؟ لقد خصصنا الحيز الرئيس في المقال نظراً الى خطورة المعلومات التي كشف عنها مسؤول اممي رفيع، اضافة الى اهمية الوضع في لبنان سواء في حالات السلم او في حالات الحرب. ونتساءل بعد الاطلاع على مواقف وتصريحات تيري رود لارسن: هل هي توقعات تستند الى معطيات محددة ام هي اشبه ما يكون بالتمنيات؟ وفي ضوء ما تقدم لا يمكن عزل هذه التوقعات عن الوقائع اليومية سواء على الاراضي اللبنانية او عبر «الحدود» التي فتحت على مصاريعها! بوجه جيوش النازحين واللاجئين الهاربين من جحيم المعارك في سورية، حيث تتضح يوماً بعد يوم المخاطر الزاحفة الى لبنان من سورية. وما يثير الاستغراب ان كافة الدراسات التي تعدها الدوائر المعنية بأزمة اللاجئين في منظمة الاممالمتحدة تعد برامجها من حيث اقامة اللاجئين فترات زمنية طويلة، حيث تقدر هذه الدوائر ان عدد النازحين نهاية العام الحالي سيكون كذا، كما ان هذه الاحصاءات تأخذ في الاعتبار لحظ الالتزامات والموجات الخاصة بآلاف السوريين الى: اشهر طويلة آتية، بل تصل الى بضع سنوات. ماذا يعني ذلك؟ يعني بوضوح كلي ان الازمة في سورية طويلة الامد وان كل الذين قدروا ان هذه الازمة على طريق الانتهاء كانوا على خطأ جسيم. ومن المفارقات التاريخية في هذا السياق، ان لبنان واجه العام 1948 - 1949 نزوح الفلسطينيين الى لبنان ممن توزعوا في مخيمات عدة او من الذين اندمجوا بالتركيبة المجتمعية اللبنانية، وتلحظ الدوائر اللبنانية في تعاملها مع اللاجئين الفلسطينيين عدم «تشجيعهم» على البقاء في لبنان وانهم لا بد عائدون ذات يوم... ذات شهر او ذات سنة، ولكن... متى ستقوم الدولة الفلسطينية؟ واليوم تتجدد الازمة وتتنوع التسميات وبخاصة مع تزايد الاعداد الكبيرة الزاحفة على لبنان سواء عبر الحدود الشرعية، او عبر المعابر غير الشرعية، ما يفوق طاقات لبنان بكثير، لتقديم المتطلبات البشرية والانسانية لعموم النازحين. ولا تخفى على احد المشاكل اليومية التي تحدث على كافة الصعد الامنية والاجتماعية والاقتصادية، فهناك من اللبنانيين أولئك الذين يطرحون الصوت احتجاجاً على «المنافسة غير المتكافئة» بين اللبنانيين والسوريين، ومثل هذه الازمة الى تصاعد والى تصعيد. وبعد... اولاً: ان انعقاد مؤتمر «جنيف-2» الخاص بالازمة في سورية دونه الكثير من العقبات التي يجري العمل على تذليلها عبر عرابي الازمة السورية: الاميركي جون كيري، والروسي سيرغي لافروف. وبينما سادت بعض اجواء التفاؤل باحتمال توجه الوفود الى جنيف، يبدو ان هذا المؤتمر لن ينعقد خلال تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري. ثانياً: من العقد التي يجري العمل على «حلحلتها» تحديد مصير الرئيس بشار الاسد في «التركيبة الجديدة» بين معارضة او معارضين يمانعون وجود اي دور له ومؤيدين يطرحون فكرة تقرير مصير الرئيس السوري و «الأسديين» الى الانتخابات النيابية او الرئاسية والمقرر اجراؤها في ربيع العام 2014 والقول ان بشار الاسد سيكون مرشحاً لهذه الانتخابات الآتية مع بقية المرشحين الراغبين في خوض السباق، وستكون الغلبة لمن يحصل على غالبية اصوات الشعب السوري. ثالثاً: لا تملك المعارضة، بل المعارضات، الكثير من الخيارات لفرضها على طاولة الاجتماعات في مؤتمر جنيف-2 لذا يجب على هذه المعارضات توحيد صفوفها واهدافها الى حد ما بانتظار بلورة الآتي من التطورات بخاصة ان العالم الغربي الاميركي منه والاوروبي قدم ما يريد وما يستطيع ان يقدم لاحداث التغيير في سورية. وعلى المعارضة ان تأخذ هذا الجانب في الاعتبار حتى لا تقع في الخديعة مرة اخرى. رابعاً: ان بروز تدشين خط واشنطن - طهران له انعكاسات وتداعيات على مختلف جوانب المشهدية المتعلقة بالوضع الاقليمي ككل. وقد اتضح كلياً ان الولاياتالمتحدة عبر رئيس ديبلوماسيتها جون كيري لديه تعليمات وتوجيهات جديدة تنقل القضية من التعامل مع ايران كجزء من المشكلة الى جزء من الحل. ومن هنا كان اصرار كيري من جهة والوسيط العربي - الاممي الاخضر الابراهيمي على دعوة ايران للمشاركة في اجتماع جنيف-2. وفي المحصلة الاخيرة على المتداخلين والمتدخلين في حل الازمة في سورية إدراك المعطى الجديد الذي برز في الآونة الاخيرة وغيّر وسيغيّر وجه الاقليم، ولمن ليس باستطاعته مواكبة هذه المتغيرات، ستتابع القافلة المسير، ولن ينتظر قطارها المتخلفين عن الصعود الى قطار الحل. * إعلامي لبناني