يرى مراقبون وخبراء سياسيون واقتصاديون ألمان أن نتائج الانتخابات النيابية التي أجريت في أيلول (سبتمبر) الماضي جاءت كما أرادتها غالبية الناخبين والاقتصاديين، لناحية عودة تحالف «الحزب المسيحي الديموقراطي» و«الحزب الاشتراكي الديموقراطي» إلى الحكم لضمان استقرار سياسي أكبر في الداخل يساعد على مواجهة التحديات المالية والاقتصادية التي فرضتها الأزمة المالية الأوروبية المستمرة. وبعد سقوط حليفها الصغير «الحزب الليبرالي» في الانتخابات، أصبحت المستشارة أنغيلا مركل مضطرة للتحالف إما مع الاشتراكيين أو مع «حزب الخضر»، لكن الخيار وقع أخيراً بسرعة على الاشتراكيين. وأدت المشاورات الأولية بين قيادتي الحزبين إلى اتفاق على بدء مفاوضات تشكيل حكومة مشتركة على قاعدة برنامج مشترك يكون مثابة بوصلة الحكم خلال السنوات الأربع المقبلة. وساهمت في تسريع الأمور موافقة الحزب المسيحي على عدد من المطالب الرئيسة للحزب الاشتراكي، في مقدمها إصدار قانون للحد الأدنى للأجور في ألمانيا ورفع معاشات التقاعد. وفيما لا تزال استطلاعات الرأي تظهر أن نحو نصف الألمان يؤيدون قيام حكومة «مسيحية - اشتراكية»، في مقابل 18 في المئة يفضلون حكومة «مسيحية - خضراء»، تشير استطلاعات أخرى إلى أن القيادات الاقتصادية الألمانية تؤيد «التحالف الكبير» بنسبة 53 في المئة في مقابل 33 في المئة مع حزب «الخضر». ورفعت الهيئات الاقتصادية والنقابات العمّالية في البلد بعد الانتخابات العامة، لوائح إلى الحكومة العتيدة تتضمن عدداً من أهم مطالبها. فقد قدّم اتحاد الصناعيين الألمان ثلاثة مطالب رأى أنها تحتاج «معالجات سريعة»، هي إصلاح مشروع التحول في الطاقة، والتدقيق في الأخطاء التي ارتكبت فيه خصوصاً أن كلفته تبلغ 20 بليون يورو سنوياً، ودعم الاستثمارات الداخلية، وتعميق وحدة النقد الأوروبي. وشدد رئيس الاتحاد، أولريش غيريللو، على الأهمية القصوى لهذه النقاط، وعدم تضييع الوقت، والعمل على تشكيل حكومة في أسرع وقت ممكن. وحضّ أيضاً على تأمين مخصصات مالية أكبر لتحسين أوضاع البنى التحتية العامة المتقادمة، خصوصاً في مجال المواصلات. وطالب رئيس اتحاد غرف الصناعة والتجارة الألمانية، إريك شفايتسر، الحكومة المقبلة بوضع كل ثقلها لتحقيق عملية التحول إلى الطاقة المتجددة في البلد، مشيراً إلى أن المطلب الأول لثلثي الشركات ال2100 التي استطلعها الاتحاد أخيراً «يتمثل في الحصول على طاقة مضمونة وغير مكلفة». ودعا إلى تعديل قانون الطاقات البديلة، وخفض الضريبة على الكهرباء حتى لا يرتفع سعر الطاقة في نهاية السنة الحالية أكثر مما ارتفع حتى الآن، إذ وصل سعره إلى 6.3 سنت للكيلوواط الواحد. وطالب شفايتسر بتحسين أوضاع البنى التحتية والتعليم من دون زيادة الضرائب. بدوره دعا رئيس اتحاد أرباب العمل الألمان ديتر هوندت، إلى تشكيل حكومة «مسيحية - اشتراكية» تضمن غالبية كبيرة في البرلمان وفي مجلس اتحاد الولايات، من أجل مواصلة ضمان الاستقرار الاقتصادي والمالي للبلد، على رغم معارضته مطلبين مهمين للحزب الاشتراكي هما رفع ضريبة الدخل على أصحاب الدخل المرتفع، وإقرار قانون الحد الأدنى للأجور. وفي موضوع تسريع عملية التحول إلى الطاقة المتجددة، طالب الدولة بإنشاء وزارة للطاقة، والعمل على تفادي رفع سعر الكهرباء. أما النقابة الاتحادية للمصارف الألمانية، فحضّت الحكومة على وضع ثقلها داخل المفوضية الأوروبية لإقرار قانون يسمح بإغلاق المصارف غير القادرة على الاستمرار في العمل. ودعت النقابات العمالية إلى «إزالة الأوضاع غير السليمة القائمة حالياً في سوق العمل». وأشارت نائب رئيس «الاتحاد العام للنقابات العمالية» إلكه هنّاك، إلى أن الوقت حان أخيراً لإصدار قانون يحدد الحد الأدنى للأجور في ألمانيا، في دعم مباشر لمطلب «الحزب الاشتراكي الديموقراطي» والمعارضة النيابية. ولفتت إلى أن الاتحاد «ينتظر من الحكومة المقبلة العمل على مكافحة الفقر الذي يطاول المتقاعدين، وتحديد معاش تقاعدي يضمن وضعهم».