قدّم «مجلس حماية المرأة» في كيبيك، وهو أعلى هيئة مدنية لحماية المرأة من أشكال العنف، توصية إلى حكومة المقاطعة أخيراً تحت عنوان «جرائم الشرف... من السخط والإستنكار إلى التشريع والتطبيق». وسرعان ما أعلنت وزيرة الخدمات الاجتماعية وحماية الشباب فيرونيك هيغون تبنّيها هذه التوصية والتزام الحكومة بها قائلة: «من الآن وصاعداً لا ينبغي أن نتسامح مع جرائم الشرف في كندا. ونحن ملتزمون حماية الفتيات من الأسر المهاجرة من أي إعتداء أو عنف قد يعرّض حياتهن للخطر». ولاقت هذه التوصية لدى طرحها أمام الرأي العام الكيبيكي والكندي ترحيباً وتأييداً واسعين من مختلف هيئات المجتمع المدني وزعماء الأحزاب السياسية في جبهتي الحكم والمعارضة. وستترجم هذه التوصية قريباً، كما أكدت هيغون، وللمرة الأولى، بنصوص قانونية موسعة وآليات واضحة وأحكام قضائية مشددة للتعامل مع مرتكبي جرائم الشرف من دون النظر إلى أي اعتبارات تخفيفية. توثيق جرائم الشرف وتابع «مجلس حماية المرأة» منذ العام 1991 جرائم الشرف التي كانت تحصل في المقاطعات الكندية. وكان وقوعها نادراً كما أن رسوخها في مخيلة الكنديين لم يكن عميقاً نظراً الى جهل كثيرين بعادات المهاجرين وتقاليدهم وعقائدهم الدينية. وكان يُنظر اليها كأي حالة عنف أخرى تزول آثارها مع مرور الوقت. أي أن الموقف العام الكندي حيال تلك الجرائم كان يُقتصر على توصيفها بجريمة قتل عادية من دون التوغل في بواعثها الحقيقية وإنعكاساتها السلبية على المجتمع. وكانت جريمة عائلة شافيا (وقعت منذ 5 سنوات وراح ضحيتها أربع نساء بينهن ثلاث قاصرات من أصول باكستانية على أيدي الأب وزوجته الثانية وأولاده الثلاثة) حركت المجلس ودفعته بقوة للتصدي لهذا «العنف الهمجي» الذي عجزت المؤسسات الإجتماعية والتربوية والقضائية عن استيعابه وايجاد الحلول الرادعة له. فأجرى دراسة شملت 17 جريمة شرف، 9 منها بحق فتيات قاصرات، لم تقتصر ضحاياها على أتباع دين أو عرق معين وإنما كانت من اصول متعددة هندية وباكستانية وأفغانية وسريلانكية أي إسلامية وغير إسلامية. وكشفت الدراسة صعوبة التأكد من الظروف الموضوعية والذاتية المحيطة بجرائم الشرف. فالفتاة في بيئتها المحافظة هي أكثر التصاقاً بأهلها ووسطها العائلي والإغترابي. وهي تحت أنظار الجميع في حركاتها وسكناتها خشية إنحرافها عن تقاليدهم وعاداتهم وثقافتهم بما فيها قيام علاقات جنسية مشبوهة تتسبب لهم بالعار الذي لا يُغسل إلا بهدر دمها وإن كانت قاصرة. كما لفتت الدراسة إلى أن المحاكم الكندية واجهت على مدى الأعوام الماضية، إشكالية قانونية حيال تعاملها مع جرائم الشرف التي كانت تندرج في تشريعاتها في خانة القتل المتعمّد، فضلاً عن غياب النصوص والأحكام القضائية الناظمة لها وإفتقار المحكمة للأدلة القاطعة التي لا يملكها عادة سوى أهل الضحية. وهذا ما كان يدفعها إلى إغلاق الملف وإسدال الستار على الجريمة. ملء الفراغ القانوني تلافياً لهذا الارتباك القانوني تقدّمت حكومة كيبيك بمشروع قانون تضمّن مختلف حالات العنف المرتبطة في شكل أو آخر بجرائم الشرف، بدءاً بالتسلّط والسيطرة المفرطة على المراهقات، واختبارات العذرية، وتشويه الأعضاء التناسلية كختان البنات، والزواج القسري، والتحريض على الانتحار وصولاً إلى القتل المتعمّد. وحصّنت الحكومة القانون بتدابير وقائية كتنظيم دورات تدريبية لعناصر الشرطة المختصين بالتدخّل السريع في الصراعات العائلية التي تتسم بالعنف بما فيها جرائم الشرف، وتزويدهم معلومات وإرشادات تساعدهم على فهم أفضل لقيم المهاجرين وثقافاتهم وعاداتهم وتقاليدهم الإجتماعية وعقائدهم الدينية، والإستعانة بالجمعيات النسائية ولجان المدارس ومنظمات المجتمع المدني، ومراقبة الفتيات المحجبات اللواتي قد يتعرضن لضغوط نفسية وجسدية وإرغامهن على إرتداء الحجاب، ووضع الفتيات القاصرات في حماية مؤسسات الرعاية الإجتماعية والصحية والثقافية التابعة للحكومة. وتشدد الحكومة على أن هذه الإجراءات لا تستهدف فئة معينة من المهاجرين ولا تسعى إلى تغيير ذهنياتهم وإفكارهم، ولا إلى التدخّل في حياتهم وإنماط سلوكهم، وإنما لمنع التطرف والتعصب وكل أشكال العنف المتصل بجرائم الشرف. والأهم من ذلك، يطلب مشروع القانون من دوائر الهجرة في الخارج ان تخطر الراغبين في الإقامة في كندا بوضوح، أن «العنف ضد المرأة جريمة يعاقب عليها القانون بأقصى الدرجات، وان المساواة بين المرأة والرجل هي من القيم الثابتة في شرعة الحقوق الكندية والإنسانية». وتعقيباً على ما تثيره جرائم الشرف من إشكالات قانونية وغير قانونية، يقول الخبير الجنائي الدولي الكندي مايكل روي إنها «لم تصل إلى مستوى الظاهرة أو إلى حدود الجرائم اليومية العادية». لكنه يضيف متسائلاً: «من المسؤول عن ارتكاب هذه الجرائم في المجتمع الكندي والمجتمعات الغربية القائمة على التعدد والتنوع؟ هل هن الضحايا اللواتي نشأن وترعرعن على أفكارها وقيمها وتطبعن بثقافاتها وأنماط حياتها، أم آباؤهن وأمهاتهن وأخوتهن العصيون على التأقلم والإندماج وخضوعهم إلى منطق القبيلة والعشيرة الذي يشرّعن جرائم الشرف ويبررها؟».