أمسك الفرقاء المعنيون بأزمة تأليف الحكومة اللبنانية الجديدة بأوراقهم الى صدورهم عشية الاستشارات النيابية الملزمة التي يبدأها رئيس الجمهورية ميشال سليمان لتسمية زعيم «تيار المستقبل» النائب سعد الحريري مجدداً لرئاستها بعد اعتذاره يوم الخميس الماضي نتيجة «المراوحة في طرح شروط تستهدف تسخيف نتائج الانتخابات النيابية» إثر رفض المعارضة تشكيلة حكومة الوحدة الوطنية التي قدمها قبل اسبوع. وفيما بدا ان الأمور قد تتجه الى مزيد من التعقيدات مع إعلان كتلة «التحرير والتنمية» التي يترأسها رئيس البرلمان نبيه بري التروي في تسمية الرئيس المكلف، علمت «الحياة» ان اتصالاً أُجري بين الرئيس سليمان ونظيره السوري بشار الأسد تناولا خلاله التطورات الإقليمية واستكشاف آفاق المرحلة المقبلة عشية زيارة المبعوث الرئاسي الأميركي الخاص بعملية السلام جورج ميتشل لبيروت غداً الأربعاء في سياق جولة على عدد من دول المنطقة. وقالت مصادر موثوقة ل «الحياة» ان البحث تناول ايضاً العلاقات الثنائية اللبنانية - السورية وتطرق الى الوضع اللبناني الداخلي من زاوية الوضع الحكومي و «ضرورة قيام حكومة وحدة وطنية والإسراع في تشكيلها في مواجهة التهديدات الإسرائيلية وليكون لبنان قادراً على التعامل مع التحديات التي تفرضها التعقيدات في المنطقة وما تفرضه من موقف لبناني موحد، يتطلب تحصين وضعه الداخلي ومؤسساته في هذه الظروف الدقيقة». وكانت كتلة بري النيابية بررت في بيان «التروي في تسمية أحد لتشكيل الحكومة» بعد ان كان بري اكد الأربعاء الماضي انه سيسمي الحريري، بأن كلام الحريري أول من امس بأن «من لم يسمني سأتعامل معه كما تعامل معي يعني عدم الموافقة على حكومة وحدة وطنية». واستدعى هذا التطور في موقف بري زيارة له قام بها وزير الأشغال في حكومة تصريف الأعمال غازي العريضي، فيما نُقل عن الحريري قوله انه في كلامه لم يقصد الرئيس بري مستغرباً هذا التبرير. وفيما «علّقت» كتلة بري موقفها «حتى يصدر موقف واضح وعلني لا لبس فيه بالالتزام بحكومة وحدة وطنية على قاعدة 15+10+5»، قالت أوساط في الأكثرية ل «الحياة» ان الحريري «لم يقل باستمرار التزام هذه الصيغة لكنه لم يقل ايضاً انه تخلى عنها». وكان صدور بيان كتلة بري تزامن مع صدور بيان عن تكتل «لبنان أولاً» الذي يتزعمه الحريري جدد فيه قراره تسمية الأخير لتشكيل الحكومة الجديدة، مشدداً على «حاجة لبنان الى قيام حكومة تلبي رغبة اللبنانيين، في استقرار حياتهم ومواجهة التحديات المنذرة بمخاطر داخلية وخارجية». ونقل نواب عن الحريري قوله خلال الاجتماع انه لن يجري اتصالات قبل الاستشارات النيابية الملزمة التي يجريها اليوم الرئيس سليمان، ولفت الى انه يترك للجميع «فرصة التعبير عن قناعاتهم فيها وأن كثيرين طالبوا بحكومة وحدة وطنية بعد تكليفه بتشكيل الحكومة، قبل اعتذاره. وإذا كان يهمهم حكومة وحدة وطنية فلماذا لم يدعموها مع ان بعضهم اعتبر التشكيلة التي تقدمت بها من رئيس الجمهورية بنّاءة وأكثر من عادلة ومتوازنة؟». وأكد الحريري انه لن يبدأ من حيث انتهى الى الاعتذار لقطع الطريق على وضع شروط جديدة وأن ما يهمه «التشاور مع الكتلة النيابية على بياض آخذاً في الاعتبار تصحيح الغبن الذي لحق بتيار المستقبل وحلفائه في التشكيلة التي قدمها». وشدد على ان المشاورات ستبدأ من دون شروط مسبقة وأنه لن يسلم هذه المرة كل أوراقه، لا سيما انه وضع كل شيء على الطاولة في المفاوضات السابقة «لكن لم ألق أي تجاوب ووضعت العراقيل امام ولادة الحكومة». وأكد «معركتنا هي حماية الدستور ومنع فرض أعراف غير دستورية تخرقه كما فعل البعض عندما اعترض على حق الرئيس المكلف بالتعاون مع رئيس الجمهورية ان يتقدم بتشكيلة وزارية». وكرر الحريري التأكيد ان توزير الراسبين في الانتخابات النيابية خارج النقاش وأن لا تعديل في موقفه رفض إسناد وزارة الاتصالات الى «التيار الوطني الحر» ولا في مطلب الأخير اعادة النظر في توزيع الحقائب السيادية على رغم ان نواباً طالبوا بحقيبتين سياديتين للأكثرية.وأوضح ان التشكيلة التي قدمها «لم ترض نواباً موجودين هنا»، وأن آخرين «تحدثوا عنها لكننا نريد منهم افعالاً لا أقوالاً»، مؤكداً ان «من يريد ان يسمي سعد الحريري فليفعل ومن لا يريد ان يسميه سأتعامل معه كما تصرف معي بعدم تسميتي». ومساء أطلق الحريري في مأدبة عشاء لأهالي بيروت، مواقف استيعابية ل «وقف السجال ووضع النقاط على الحروف» منعاً لتأويل مواقفه، عشية بدء الاستشارات النيابية، وقال: «كنا نتوقع أن تشكل الحكومة في شهر رمضان الكريم لكن ما حصل حصل وهناك من يتحدث الآن عن صيغة 15-10-5 وحكومة وحدة وطنية، فهل تحدث أحد أكثر مني عن حكومة وحدة وطنية وعن الصيغة؟ وهل ابدى أحد أكثر مني حرصاً عليها لمواجهة التهديدات الاسرائيلية والتحديات المالية والاقتصادية في لبنان؟». وأضاف متسائلاً: «ألم أقل منذ البداية وقبل أن أكلف وأعتذر، أن واجبنا أن تكون هناك حكومة وحدة وطنية نواجه بها التحديات؟ وهل قدم أحد غير حلفائنا وجنبلاط تنازلات وتضحيات من اجل قيام هذه الحكومة؟». وزاد الحريري: «أنا لا أتحدى الآخرين ومن يسميني رئيساً حرّ ومن لا يسميني حر أيضاً، أنا أتصرف على هذا الأساس انسجاماً مع ما نص عليه الدستور واتفاق الطائف. عندما مددت يدي لم أتلق التجاوب المطلوب، ولذلك أريد أن استعمل أسلوباً مختلفاً في المفاوضات». ودعا إلى «عدم أخذ الأمور بالتحدي، ولا أحد يقول لي ماذا اعمل طالما أنا أتصرف بحسب صلاحياتي الدستورية التي تجيز لي بالتعاون مع رئيس الجمهورية تشكيل الحكومة. أنا لا أقول هذا مزاجياً ولا شخصياً، لكن هكذا ينص الدستور، وأتحدى أن يقول لي أي كان إنني مارست صلاحياتي خارج الدستور». وأشار الحريري إلى أن التكليف سيحصل في اليومين المقبلين و»عندما أكلف سأنفتح على الجميع وأفاوضهم لنرى مدى تعاونهم». وشدد على أنه لا يريد «أزمة، لكن السؤال يوجه إلى من يريد أن يفتعل أزمة في البلد، لذلك نحن مع الحوار والنقاش الهادئ». وأوضح أن اعتذاره عن عدم تشكيل الحكومة كان «لخلط الأوراق لنصل إلى تفاهم ونقوم بالبلد جميعاً، والمطلوب من الجميع ومني أولاً انا كسعد الحريري، أن نتنازل لمصلحة لبنان العليا وليس للمصلحة الشخصية وأحزابنا ومذاهبنا وطوائفنا». وتابع: «أنا سأتصرف على هذا الأساس فور تكليفي إنما مع مراعاة منطق أكثرية وأقلية، ونحن كأكثرية مستعدون للتنازل كما تنازلنا في السابق». من جهته، قال رئيس تكتل التغيير والاصلاح في حديث الى محطة «أو تي في» إنه لن يعطي الحريري «تكليفاً من دون قيد أو شرط». وقال: «سنتحفظ كما تحفظنا في السابق على تسميته كرئيس للحكومة». وعن قول الحريري إنه سيتصرف بالمثل قال عون: «نحن نستطيع ان نتحفظ على الحريري ولكنه لا يستطيع التحفظ علينا»، معتبراً أن «هناك تراجعاً باتجاه حكومة أكثرية وأن الحريري يسعى لحل تصادمي، لكننا لن نعطيه الثقة لكي لا يصطدم معنا من يكلّف، عليه أن يقدم إلينا حتى نعطيه ثقتنا وإذا أراد فيستطيع تأليف الحكومة شرط ان يأخذ البلد الى بر الامان». وشدد على أن لا احد صاحب سلطة مطلقة، معتبراً أن «الحريري لا يريد الاستماع الى أحد ويعتقد ان الجميع موظفون لديه وهو يمذهب الصراع في لبنان وهذا ما شعرنا به من زمان وهو الآن كشف عنه»، مشيراً الى أنه لن يعلق على أي صيغة بانتظار ما سيقدمه الحريري، وجزم ان المعارضة موحدة الصفوف. وعن موقف رئيس الجمهورية في مسألة التأليف، اوضح عون أن موقف الرئيس «حرج لأنه لا يتمتع بسلطة الحسم الا عند توقيع المرسوم». وأشار الى أنه «اذا كان رئيس الحكومة لا يريد التعاطي معه في شكل واقعي يكون هناك خلاف على مستوى تأليف الحكومة». وبالنسبة الى قرار كتلة بري التروي في التسمية قالت مصادرها ان موقفها قابل للتعديل في حال تلقي الرئيس بري التزامات بتشكيل حكومة وحدة على قاعدة 15-10-5. وسألت المصادر نقلاً عن بري: «لماذا هذا الهجوم الواضح على حكومة الوحدة الوطنية ومن خلالها على صيغة 15-10-5 والذي لم يوفر منه رئيس المجلس؟» وقالت: «ان لا مشكلة في تسمية الحريري ضمن الصيغة المتفق عليها وتحت سقف الموقف المعلن لرئيس اللقاء النيابي الديموقراطي وليد جنبلاط بالالتزام بها». كما سألت المصادر نفسها عن خلفية استهداف بري شخصياً من خلال قول نواب في «تيار المستقبل» انهم أخطأوا في انتخابه رئيساً للمجلس وأنه كان من الأفضل ان يتم انتخابه من ضمن الاتفاق على تشكيل الحكومة. وقالت: «هل من الجائز للمصلح الذي يسعى من اجل التوفيق ان يكون نصيبه التركيز عليه في الحملات من قبل نواب في 14 آذار؟». لكن مصادر في 14 آذار قالت ان جنبلاط بادر الى تمييز نفسه عنها وأنه احتفظ بتحالفه مع الحريري، مؤكدة انه حرص على ان يلتقي الرئيس بري في منتصف الطريق، لكن الأخير لم يحذُ حذوه في الابتعاد عن بعض القوى في الأقلية ولو فعل ذلك لكان في مقدورهما تشكيل قوة وسطية ضاغطة للتوافق على حكومة وحدة وطنية عبر إقناع الفرقاء بتنازلات متبادلة. واعتبرت المصادر ان بري كان في غنى عن تبني شروط رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون في اللقاء الأخير الذي جمع الحريري بالمعاونين السياسيين لرئيس المجلس النائب علي حسن خليل وللأمين العام ل «حزب الله» حسين خليل الأربعاء الماضي. وهذا كان مخالفاً لموقف بري السابق لأنه لا يتدخل مع عون لأنه لا يؤثر عليه على رغم ضغوطه لاستمرار الحوار معه. أما في شأن الموقف من انتخاب بري، فقالت المصادر ان الحريري لم يتبن يوماً الكلام الذي كان يسمعه من بعض النواب من انهم أخطأوا في انتخابه من دون التفاهم على الحكومة وأنه كان يقول لهم انه مقتنع بما قام به لما يؤثره إيجاباً في تنفيس الاحتقان المذهبي والطائفي.