بعد جدل فجرته أولى حلقات الموسم الثالث من برنامج «البرنامج» للإعلامي المصري الساخر باسم يوسف على قناة «سي بي سي» الخاصة بسبب سخريته من حال الولع بوزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسي، مُنع الإعلامي الأشهر في مصر من الظهور مجدداً على شاشة القناة رغم تصوير ثاني حلقات الموسم الجديد من «البرنامج» الذي يحظى بشعبية غير مسبوقة في مصر. وبعدما التف ملايين المصريين حول شاشات التلفزيون بانتظار ما سيقدمه يوسف في الحلقة التي تم تصويرها الأربعاء الماضي في مسرح سينما «راديو» وسط حراسة أمنية مشددة، صُدم كثيرون ببيان أذاعته القناة قبل بدء «البرنامج» بدقائق، أعلنت فيه إدارتها وقف حلقاته. وحظي يوسف بشهرة غير مسبوقة بعدما رفع سقف انتقاد المسؤولين في مصر بأسلوب ساخر استحسنه كثيرون، وحقق برنامجه نسب مشاهدة هي الأكبر وسط عشرات البرامج الفضائية، لكن فقرة خصصها للسخرية من الرئيس الموقت عدلي منصور ورئيس الوزراء حازم الببلاوي والمولعين بالسيسي أحدثت ضجة استدعت ردود فعل غاضبة من شخصيات قريبة من الجيش، رغم أن يوسف دأب على سخرية لاذعة من الرئيس المعزول محمد مرسي وجماعة «الإخوان المسلمين» خلال عام من حكمها، كانت محًّاً لاستحسان كثيرين من منتقديه الآن، كما أن حلقته الماضية تضمنت انتقادات لاذعة ل «الإخوان» ومرسي. لكن بعد بث الحلقة الماضية اعتذرت قناة «سي بي سي» ضمنياً عن مضمونها، متعهدة «احترام الرموز الوطنية» و «ثوابت الشعور الوطني العام». وقبل إذاعة حلقة أول من أمس بدقائق قالت القناة في بيان إنها «فوجئت بأن المحتوى الإعلامي المُسلم لإدارة القناة من حلقة البرنامج يخالف ما ورد في بيانها السابق، ما يعنى استمرار منتج البرنامج ومقدمه في عدم الالتزام بالسياسة التحريرية لقنوات سي بي سي الواردة ضمن وثائق العقد الموقع مع منتج البرنامج». وأشارت إلى أنه «تم لفت انتباه منتج البرنامج ومقدمه إلى ضرورة الالتزام بما جاء في بيان القناة السابق». وتحدثت عن «إخلال المنتج بشروط مالية وفقاً للعقد بين الأطراف، ما دفع مجلس إدارة القناة إلى إيقاف إذاعة البرنامج إلى حين حل المشاكل الفنية والتجارية مع منتجه ومقدمه». وفجر إيقاف «البرنامج» موجة من الانتقادات للسلطة الموقتة، خصوصاً أنه استمر طوال فترة حكم مرسي، رغم انتقاداته اللاذعة لحكمه. وأتت غالبية التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي مستنكرة تصرف القناة، ومعربة عن قناعة بتدخل السلطة والضغط علي إدارتها لإيقاف البرنامج، رغم نفي المستشار الإعلامي للرئيس أحمد المسلماني ممارسة أي ضغوط في هذا الشأن، عازياً الأمر إلى «شؤون داخلية» في القناة. وقال نائب الرئيس السابق محمد البرادعي إن «حرية التعبير هي أم الحريات. إذا اقتصرت على من نتفق معهم فهي شعار أجوف. الشجاعة هي في الدفاع عنها وليست في قمعها. تحية وتقدير لباسم يوسف»، فيما قال المرشح الرئاسي السابق خالد علي إن «القمع لا يقتل الفكرة. لكنه يخلدها». واعتبر رئيس لجنة تعديل الدستور عمرو موسى أن «قرار منع عرض حلقات باسم يوسف قرار غير حكيم أثار استياء الكثيرين وريبتهم في شأن الحريات. علينا الثقة بأنفسنا وتقبل الآراء المختلفة والنقد والسخرية أحياناً. أناشد قناة سي بي سي إعادة النظر في قرارها الذي أساء إلى مصر مثلما أساء إلى إدارة القناة». وانتقد رئيس جامعة القاهرة جابر نصار القرار. وقال: «لو كنت وزير الإعلام لدعوت باسم يوسف إلى تقديم برنامجه من تلفزيون الدولة، لأن الأيدي المرتعشة والخائفة لا تبني تقدماً. وقف البرنامج خطأ كبير وضيق أفق، ويؤكد أن ملكية رجال الأعمال لوسائل الإعلام مسألة يجب أن تراجع». وفي حين انتقد مؤسس حملة «تمرد» محمود بدر المنع معلناً تضامنه مع يوسف ومع «حرية الإعلام»، دان مؤسس «حركة 6 أبريل» أحمد ماهر وقف «البرنامج». وقال: «هذه هي حرية الإعلام في ظل النظام العسكري الجديد. الأوضاع الآن أسوأ من عهد (الرئيس المخلوع حسني) مبارك. وكأن ثورة لم تقم». وقال القيادي في «الحزب المصري الديموقراطي الاجتماعي» الفقيه الدستوري نور فرحات إن «حسابات مصالح رجال الأعمال تعصف بكل فقاعات الحديث عن حرية الإعلام. لا لإعلام رجال الأعمال»، فيما اعتبر النائب السابق مصطفى النجار أن «قناة سي بي سي خسرت كثيراً بوقف البرنامج. وخسر من مارسوا الضغوط لإيقافه. الخاسر الأول هو السلطة ومؤسساتها في مصر. زمن الحظر على الإعلام انتهى».