أوقفت مؤسسات أهلية دولية ومحلية عدة نشاطاتها في مصر إثر انتهاء مهلة منحتها الحكومة لآلاف من تلك المؤسسات لتوفيق أوضاعها طبقاً لقانون «مقيد» صدر في عهد الرئيس السابق حسني مبارك. وكانت وزارة التضامن الاجتماعي منحت مؤسسات المجتمع المدني مهلة لتوفيق أوضاعها طبقاً لقانون الجمعيات الأهلية الصادر في العام 2002، والذي يُلزمها بالحصول على تصريح من الحكومة لممارسة نشاطها الذي يخضع لرقابة مالية من الحكومة. وبعد انتقادات وضغوط من المؤسسات الأهلية، مددت وزارة التضامن مهلتها حتى 10 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، ورفضت طلباً لتمديد آخر، وأعلنت بدء تنفيذ القانون. وأعلنت أنها ستخاطب الجهات التي تخضع لها الكيانات التي تمارس العمل الأهلي وتتخذ شكلاً قانونياً مغايراً لما ورد في قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية «لبيان مدى خروجها على حدود هذا الترخيص من عدمه بممارسة أنشطة غير واردة فيه، وغير مرخص لها القيام بها». وفي مصر مئات الجمعيات الأهلية التي تعمل بتراخيص مكاتب محاماة وتقدم استشارات قانونية للمتعاملين معها، لكنها تتلقى تمويلاً خارجياً. وقال مدير «الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان» جمال عيد ل «الحياة»، إن مؤسسات أهلية عدة أوقفت نشاطها في مصر، بعد تلقيها «تهديدات مباشرة بضربات أمنية»، لافتاً إلى أن «مؤسسات سعت إلى توفيق أوضاعها طبقا للقانون الحالي، لكن وزارة التضامن رفضت منحها ترخيصاً». وأشار إلى أن «مؤسسة الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان وإدارة الأزمات الدولية أغلقت فروعها في القاهرة، فضلاً عن مؤسسة المورد الثقافي التي تمارس نشاطاً ثقافياً بحتاً... هناك 13 مؤسسة دولية أغلقت فروعها في مصر، واستشعرت تربصاً أمنياً». واعتبر أن «الأمن يسعى إلى السيطرة على المؤسسات الأهلية من وراء ستار وزارة التضامن. ستبقى المؤسسات المتواطئة مع الحكومة فقط، أما من يعمل باستقلالية فلن يتم الترخيص له». ولفت إلى أن الدستور الجديد أقر إنشاء المؤسسات الأهلية بالإخطار، على أن تخضع لرقابة قضائية. وسأل: «كيف لوزيرة في الحكومة أن تُخالف الدستور، وتطلب منا ترخيصاً، وتمنح موظفيها حق منحنا موافقات، علماً بأنهم مجرد ستار للأمن؟ لا مشكلة لدينا مع القضاء، لكننا نرفض سيطرة موظفين واجهة لأمن الدولة». وأشار إلى أنه أرسل إنذاراً قانونياً لوزيرة التضامن الاجتماعي غادة والي، أبلغها فيه بأن مؤسسته «شركة محاماة» وليست مؤسسة أهلية، وإن اعتبرتها الحكومة مؤسسة أهلية، فعليها إبلاغنا بالإجراءات الواجبة للإشهار «طبقا للدستور»، باعتبار أن الدستور أعلى من قانون الجمعيات الأهلية، لافتاً إلى أن «الوزيرة رفضت استلام الإعلان، فسلمه قلم المحضرين إلى النيابة العامة». لكن وزيرة التضامن ردت على تلك النقطة في تصريحات صحافية، فأكدت أن «الدستور أجاز العمل بالقوانين الحالية إلى حين تعديلها»، لافتة إلى أنه سيتم تعديل قانون الجمعيات بعد انتخاب برلمان جديد، بسبب اعتراضات الجمعيات الأهلية على مشروع قانون كانت تناقشه الحكومة. وقوبل المشروع بانتقادات جمة، وصلت حد اعتباره «مخالفاً للدستور»، ما عطل تمريره إلى حين انتخاب برلمان جديد. وأوضحت والي أن الهدف من الإعلان الأخير السعي إلى تنظيم عمل المنظمات الأهلية الذي يشهد «فوضى كبيرة». لكن عيد رأى أن الهدف منه «تكبيل المنظمات الحقوقية خصوصاً، بدليل رفض وزارة التضامن الترخيص لعدد منها في الأسابيع الأخيرة... المؤسسات الحقوقية آخر صوت ينتقد القمع الجاري، لذا تسعى الحكومة إلى إسكاته». وكانت المناقشة الدورية لملف مصر الحقوقي في مجلس حقوق الإنسان الدولي في جنيف الشهر الجاري شهدت انتقادات ل «التضييق على العمل الأهلي والحقوقي». وقال رئيس «المنظمة العربية للإصلاح الجنائي» محمد زارع، إن وزير العدالة الانتقالية أمين الهنيدي ومساعد وزير الخارجية هشام بدر، أبلغوا الحقوقيين على هامش اجتماعات جنيف، أن المهلة التي كانت منحتها وزارة التضامن للجمعيات لم يعد لها محل للتطبيق. وأضاف ل «الحياة» أن المسؤولين وعدوا بإجراء نقاش في شأن «معوقات التسجيل الرسمي». وأوضح زارع أن المسؤولين في منظمته الحاصلة على الصفة الاستشارية في الأممالمتحدة والتي قررت إيقاف نشاطها موقتاً، كانوا أمام 3 خيارات «إما المضي في نشاطنا والخضوع لقانون المحاماة وعدم الالتفات إلى تحذيرات وزيرة التضامن، أو توفيق أوضاعنا وفقاً لقانون الجمعيات الذي نرفضه، أو التوقف موقتاً إلى حين بدء حوار مع الدولة، واستقر الأمر على الخيار الثالث، فأعلنا توقف نشاطنا في مصر». وقال: «نحن لسنا جمعة أهلية. قانون الجمعيات الساري الآن مليء بالمشاكل القانونية والعوار، وفي حاجة ماسة إلى التعديل، فكيف نخضع لقانون فيه عوار؟ هو قانون مكبل»، موضحاً أن جمعيته تمارس نشاطها أيضاً خارج مصر، ومن ثم لو خضعت لهذا القانون، فسيتم الطلب منها قصر نشاطها على الدولة المصرية، «وهو أمر نرفضه». وأضاف: «نحن متوقفون في شكل موقت إلى حين حدوث حوار مباشر مع الدولة، فإن أصرت على تسجيلنا وفقاً لقانون الجمعيات الأهلية، فسيتم وقف النشاط نهائياً». وأوضح أنه يتولى الملف القانوني ل «جمعية حقوق الإنسان لمساعدة السجناء» الحاصلة على ترخيص من وزارة التضامن، والتي وقعت في نيسان (أبريل) 2013 عقداً مع الاتحاد الأوربي تتلقى بموجبه تمويلاً مقابل تقديم دعم اجتماعي وقانوني وإنساني للسجناء وأسرهم، وحتى هذه اللحظة، لم تُقر وزارة التضامن العقد، إذ إنه وفقاً لقانون الجمعيات الذي تتمسك به وزيرة التضامن، يجب أن توافق الوزارة على التمويل الممنوح للجمعيات. وأضاف: «حتى الآن لم تأت موافقة الوزارة بعد نحو 20 شهراً من توقيع العقد، ما أثر على نشاطات الجمعية التي توقفت تقريباً عن العمل تحت وطأة عدم توافر تمويل. هذا ليس قانوناً للتنظيم، ولكنه للتعويق، ولا نأمل بأن ندار بهذه الطريقة. كيف أقع في الخطأ نفسه؟ أفضل التوقف تماماً على الخضوع لقانون الجمعيات الذي يحولها إلى كيانات مخنوقة غير قادرة على العمل». وأشار إلى أنه لا يريد الظهور كأنه يتحدى الدولة، و «إذا كانت الدولة لا ترغب في العمل الأهلي فعليّ التوقف، لماذا أتعرض لحملة تخوين وتشكيك في نشاطي؟ إذا لم ترحب الدولة بنشاطنا سأتوقف تماماً. لماذا نُلاحق ونُخون؟ التوقف أفضل إذا لم ترحب الدولة تماماً بجهدنا وتبدي تعاوناً معنا».