«الأطفال والمراهقون هم مستهلكو المستقبل وقوة شرائية هائلة. وتصويب الأنظار نحوهم ينبغي أن يكون وفق إستراتيجية إعلانية ذكية تحدد بدقة ملامح ميولهم ورغباتهم وأذواقهم». هذا ما أورده جيمس ماكفيل في كتابه «زبائن الغد»، ملخّصاً جدلية العلاقة بين وكالات الإعلان العالمية والأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة. والواقع أن الإعلانات تنتشر في كل مكان، ولا تخلو منها أي وسيلة إعلامية سواء في التلفزيون أو الراديو أو الإنترنت أو الصحف والمجلات وصولاً إلى اللوحات العملاقة المثبّتة على جوانب الطرق وجوانب السيارات وحافلات النقل القطارات والمترو. ويبدو أن التلفزيون لا يزال الوسيلة الإعلانية الأهم في استقطاب جمهور الأطفال والمراهقين والتغرير بهم واستغلال سذاجتهم، واستدراجهم وإيقاعهم بالتالي فريسة سهلة لأبشع نموذج لثقافة الاستهلاك. ولا غرو في ذلك، فهؤلاء الأطفال يشكلون النسبة الكبرى من المشاهدين لبرامج التلفزيون التي تقطعها الإعلانات بين فينة وأخرى، فتأسر انتباههم وتستحوذ على معظم حواسهم عبر الصورة والصوت والحركة والموسيقى معاً، لا سيما إذا كان أبطال الإعلانات ينتمون إلى الفئة العمرية ذاتها. تشير إحصاءات التسويق العالمية إلى أن محطات التلفزة في أوروبا وأميركا وأستراليا تبث ما معدّله 53 ساعة أسبوعياً، بينها 57 في المئة إعلانات متنوعة للأطفال، كما تظهر دراسة كندية صدرت أخيراً، أن معظم المحطات التلفزيونية تختار أكثر البرامج المحببة للأطفال و «تقصفهم» بالإعلانات على مدى ثلاث ساعات أسبوعياً، نصفها مخصص للوجبات السريعة والنصف الآخر للمشروبات الغازية ومشتقاتها. وفي السياق ذاته، يؤكد فريق من الباحثين الاختصاصيين في تداعيات الميديا على الأطفال في جامعة مونتريال، أن الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و15 سنة، هم أكثر استجابة للإعلانات. إذ لا يميزون بين «بث تلفزيوني عادي وبين الإعلان الملغوم»، وأن الشركات لا تنفق أموالها عبثاً أو لقاء لا شيء، وإنما تعرف جيداً إلى أي فئة عمرية تتوجه، لافتاً إلى أن ما يُنفق على الإعلانات المخصصة للأطفال، تضاعف أكثر من 20 مرة في خلال 10 سنين، وبلغ نحو بليوني دولار. وعلى رغم الإجراءات والتدابير الإدارية والقانونية التي تتخذها بلدان لحماية الأطفال من الوقوع في شرك «مافيا الإعلانات»، وتلافياً لما ينشأ عنها من دعاوى قضائية لدى محاكم حماية المستهلك وتغريم المخالفين بمبالغ مالية باهظة، تلجأ شركات إلى انتهاج أساليب ملتوية كوضع نماذج من السلع المخصصة للأطفال في أكياس الإعلانات أو إشراكهم بمباريات لكسب بعض السلع مجاناً، أو تقديم عروضات لفترة محددة بأسعار متهاودة وتوزيعها على المدارس وحدائق الأطفال، أو نشرها على الإنترنت، علاوة على أساليب أخرى كتوزيع أسطوانات مجانية لترويج سلع معينة تطرح للمرة الأولى في الأسواق، أو إعطاء قسيمة حسم، أو الإعلان عن يانصيب يؤمّن للفائز جوائز مالية. ولعلّ الأخطر من ذلك كله، إقدام شركات في إطار المنافسة لاسيما في مواسم الأعياد، على تخصيص بطاقات ائتمان لأبناء العائلات المراهقين (16عاماً مثلاً)، لشراء ما يلزمهم من المواد ذات الكلفة العالية، كألعاب الفيديو أو الألبسة والأحذية ذات الماركات الشهيرة، أو تذاكر السينما أو العطور أو غيرها. وتشير وكالة «إنفو برس» إلى أن مجموع ما ينفقه المراهقون الكنديون بواسطة هذه البطاقات يفوق ال6 بلايين دولار سنوياً. ويشكك خبراء في عالم التسويق بقدرة الدولة على مراقبة ما يسمونه «لوبي الإعلانات»، على رغم ما تتخذه من إجراءت قاسية وفرض غرامات مالية باهظة. ويرون أن الطريقة الأفضل لحماية الأطفال لا تكون إلا بإدخال «التربية الإعلانية» إلى صلب المناهج التعليمية في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة، بغية تعويدهم على التمييز بين الغث والسمين وكشف الأهداف الخبيثة المخبأة خلف الإعلان.