منذ أن تزايدت الثورة التقنية في العالم، واقتحمت مواقع التواصل الاجتماعي مختلف الدول والمجتمعات، بات الخطر الذي يواجه وسائل الإعلام التقليدية (تلفاز وإذاعة وصحافة) يتضاعف ويبزر أكثر من أي وقت مضى، إذ لم يعد الخبر المطروح من خلال تلك الوسائل ذا قيمة عالية، فهو في الغالب يكون تكراراً لما عرفه الناس منذ الليلة التي تسبق بثّه أحياناً، الأمر الذي دفعها إلى محاولة صنع المواد الخاصة التي تميّزها عن غيرها، بهدف الإبقاء على شريحة جماهيرية تحفظ للوسيلة شيئاً من مكانتها. صنع المواد الخاصة من تقارير وتحقيقات وقصص إخبارية، ليس بالأمر المتاح لجميع الوسائل، لكونه يتطلّب مهارات وإمكانات عدة، تسهم في تحقيق عمل صحافي متكامل الجوانب والفصول، فيما يبدو حضور هذه المهارات متفاوتاً بين وسيلة وأخرى، وكلما قلّت المواد الخاصة أصبحت تلك الوسائل مجرّد شكل لا يسمن ولا يغني الجمهور المتلقي بغير التكرار ومحاولة قراءة الأحداث بطريقتها الخاصة، إما من طريق محرريها وإما من طريق استضافة بعض من يُطلق عليهم اختصاصيون في شؤون مختلفة، كشؤون الإرهاب، أو الشؤون الإيرانية، أو العلاقات الدولية وغيرها. وينتظر خلال الشهرين المقبلين، أن تُعلن القناة العربية الإخبارية الثالثة بعد «الجزيرة» و«العربية»، ألا وهي قناة «العرب» التي كثر الحديث عنها على مدى أكثر من عامين ولم تر النور بعد، فالقناة في خطواتها الأخيرة نحو إعلان ذاتها للجمهور، إذ أعدت العدّة لذلك من خلال تجهيز مقرها الرئيس والواقع في البحرين، وإكمال متطلبات فروعها المتوزّعة في عدد من العواصم، وخصوصاً في الوطن العربي، إلى جانب تجهيزها فريق العمل من فنيين ومذيعين ومعدّين وإداريين. وقبيل الإفصاح عن القناة التي كانت ستنطلق مطلع هذا العام، بحسب ما ذكره مالكها الأمير الوليد بن طلال في لقاء تلفزيوني العام الماضي، والذي ذكر أيضاً أنها «ستعطي المشاهد العربي والحكومات العربية، الحقيقة الكاملة وإن كانت مزعجة، بلغة تهدف إلى الارتقاء والتطوير»، ثمّة تساؤل يبرز إعلامياً، عن مدى استعداد الجمهور لتلّقي مزيد من القنوات الإخبارية، في الوقت الذي بدأ يحجم عنها بعض الشيء، و عن ماهيّة الزيادة المُنتظرة التي يمكن أن تضيفها «العرب» إلى ما لدى «الجزيرة» و«العربية»، وأخيراً هل بقي في الفضاء متّسع لمزيد من القنوات؟ وعلى مستوى الاتجاه الجماهيري الإعلامي في أميركا مثلاً، فبحسب دراسة أصدرها مركز «نيلسون» للأبحاث الإعلامية، فإن نسبة اتجاه الجمهور الأميركي إلى متابعة الأخبار عبر الإنترنت ارتفعت بنحو 18 في المئة خلال عام واحد، فيما لم تتجاوز نسبة ارتفاع مشاهدة التلفزيون واحداً في المئة. قد لا تواجه قناة «العرب» أزمة مادية من حيث ندرة المعلنين، وكذلك الأمر فيما يخص العاملين فيها والذين تم استقطاب عدد منهم من قنوات أخرى، مع توفير مزايا إضافية لهم، لكن التحدّي الأبرز الذي ربما تواجهه يرتبط فقط بالجمهور ومدى إمكان الوصول إليه. وترى رئيسة قسم الإذاعة والتلفزيون في جامعة القاهرة الدكتورة هويدا مصطفى، أن الوطن العربي ليس في حاجة إلى قنوات إخبارية عربية موجّهة إليه، وإنما هو في حاجة إلى قنوات تخاطب الدول الغربية بهدف تصحيح كثير من المفاهيم الخطأ المأخوذة عن الشعوب العربية، معتبرة أن السباق إلى إطلاق مزيد من القنوات الإخبارية يجب أن يمتزج برؤية واضحة وأهداف إيجابية تخدم المنطقة، لا أن تكون مجرّد رقماً إضافياً في قائمة القنوات الفضائية. وتقول في حديثها إلى «الحياة»: «هناك عدد كبير من القنوات الإخبارية الموجهة من الدول الغربية إلى الدول العربية، وهذا بالتأكيد يعكس توجهات سياسية لدى تلك الدول التي تعتمد على الإعلام بوصفه أحد الأسلحة الناعمة ذات التأثير، فمعظم القنوات الإخبارية لدينا هي في حقيقتها ذات أساس أجنبي وليست عربية خالصة، الأمر الذي يعني أن هناك حاجة إلى إطلاق قنوات إخبارية عربية تعبّر عن وجهة النظر العربية تجاه قضايا العالم أجمع، وتوجيهها إلى الخارج لتحقيق التأثير اللازم، ولو أخذنا قناة «العرب» نموذجاً قريباً من الانطلاق، فإننا نقول إنها إذا كانت ستنطلق من مسمّاها، بحيث تخدم الشعوب العربية، فإنها ستحقق الإضافة ولن يكون وجودها شكلياً، إذ يجب ألا تسيطر عليها السياسات والأنظمة الحكومية، كما يجب أن تلبّي حاجات الشعوب وتعمل على توعيتها وتنويرها وتماسكها لا على انقسامها، وأن تراعي الطرح الموضوعي المتوازن، مع ضرورة تحقيقها المعنى الشامل للأخبار، وليس الاهتمام فقط بالجانب السياسي». ويعتبر أستاذ الإعلام في جامعة الملك سعود الدكتور خالد الحلوة، الجمهور يبحث عن القناة الإخبارية التي تتوافق مع توجهاته وميوله وآرائه، لافتاً إلى أنه على رغم أن الفضاء العربي مليء حالياً بالقنوات الإخبارية، فإن هذا لا يعني أن جميعها تلقى إقبالاً كبيراً، مبيّناً أن هناك قناتين أو ثلاث فقط تتنافس في جذب الجمهور والفوز بثقته. ويضيف ل«الحياة»: «في حال ظهور قناة جديدة ذات إمكانات عالية، فإن الجمهور سيحاول التعرّف عليها أولاً، ثم يقرّر ما إذا كانت تلبّي حاجاته وتتطابق مع مواقفه، عند ذلك سيتابعها، فليس هناك وقت ضائع في مجال المنافسة الإعلامية، فالقنوات الجديدة التي تظهر، إذا كانت ذات إمكانات فنيّة واحترافية عالية، فإنها قد تستقطب جمهور بعض القنوات الأقل إمكانات والأقل قدرة على مواكبة الأحداث والتطوّر التقني، وقد شاهدنا قنوات إخبارية جديدة ظهرت ولم تجد قبولاً، إما لضعف الإمكانات، وإما لكونها تتبع خطاً سياسياً ضيقاً نابعاً من مصدر تمويلها». ويرى الحلوة أن هناك حاجة مستمرة لتلبية رغبات الجمهور في الحصول على الأخبار السريعة والمؤكدة والشاملة، والبعيدة عن الانحياز الواضح، معتبراً أن قناة «العرب» قادرة على المنافسة إذا ظهرت في صورة احترافية تبرز فيها العوامل المهنية في مجال الإعلام، داعياً القائمين عليها إلى الاستفادة من التجربة الإعلامية في الدول المتقدّمة، والمتمثّلة بتوظيف أدوات الإعلام الجديد، وإعطاء الجمهور فرصة المشاركة بالرأي ومعرفة توجهاته، إضافة إلى ربط بثها الفضائي بموقع إلكتروني نشط ومتفاعل دائماً مع الجمهور واقتراحاته، وأن تسعى إلى الابتكار والخروج بأنماط جديدة لبث الأخبار عبر شاشة التلفزيون وعبر الإنترنت وتطبيقات الهواتف الذكية، لكسب ولاء الجمهور. ويجد رئيس قسم الصحافة في الجامعة اللبنانية الدكتور أحمد زين الدين، أن ظهور وسائل الإعلام الجديد وتزايد الاتجاه إليها، ربما يدفع إلى القول إن من غير المناسب ظهور قناة تلفزيونية جديدة، إلا أنه في الوقت ذاته يرى أن ازدياد القنوات الإخبارية يرفع مستوى المنافسة بينها، وبالتالي استفادة الجمهور من التنوّع في الطرح. ويقول: «في الوقت الحالي نجد أن المشهد الإخباري العربي يحمل ما يكفي من التنوّع، ليوفر للجمهور رؤية متعددة الزوايا في مختلف الأحداث والقضايا، فالتنوّع أفضل من الأحادية، ومن خلاله يمكن أن يتحقق الاكتفاء الجماهيري، وأظن أن قناة «العرب» ستضيف مبدئياً مزيداً من التنوّع، وستشكّل خطوة إضافية على طريق الاكتفاء، لكن يجب أن ننتظر ما لديها، فهل ستنضم إلى خط عملي سياسي معروف، أم سيكون لها خطها الخاص، وما المستوى المهني الذي ستكون عليه»؟ أكاديمية: الفيصل يكمن في محتوى الفضائيات تعتقد أستاذة الإعلام في جامعة الكويت الدكتورة فاطمة السالم، أن الأرضية الإعلامية العربية ماتزال «خصبة» وقابلة لاستيعاب عدد من القنوات الفضائية بمختلف التخصصات، بما في ذلك تلك التي تُعنى بالشأن الإخباري، لافتةً إلى أن تعدد القنوات وكثرتها لا يعني عدم إطلاق مزيد منها، منوّهة بأن الفيصل يكمن في محتوى القنوات ومدى تميّزها عن غيرها، وقدرتها على اجتذاب الجمهور، معتبرة أن المنطقة العربية ذات صراع وتحوي كثيراً من الأحداث التي تدفع إلى إطلاق قنوات إخبارية جديدة، وخصوصاً في ظل وجود قناتين إخباريتين فقط ممن يمكن تصنيفها من القنوات العربية الخالصة وهما «الجزيرة والعربية». وأضافت ل«الحياة»: «على رغم ظهور وسائل الإعلام الجديد واتجاه نسبة عالية من الجمهور إليها، إلا أن المواطن العربي غالباً، مايزال يثق بوسائل الإعلام التقليدي المؤسسي، فهي تعدّ المصدر الموثوق بالنسبة إليه، فإذا كان الإعلام الجديد يتميّز بسرعة المعلومة وكثرة الأخبار، فإنه في الوقت ذاته لا يشبع حاجات الجمهور الكاملة، فالجمهور في حاجة إلى التحقّق من صحّة المعلومات عبر الإعلام المؤسسي وليس عبر ما يُطلق عليه (صحافة المواطن)، كما أنه في حاجة إلى تحليل الأخبار والأحداث المختلفة عبر أشخاص محترفين ومتخصصين، وهذه الميّزة لا تظهر كثيراً في الإعلام الجديد، ما يعني أن الإعلام التقليدي مايزال يحافظ على ثقله ووصوله الجماهيري». وتتابع السالم: على قناة «العرب» أن تضع العمل الاستقصائي محور اهتمامها، وليس الاكتفاء بنموذج الأخبار السريعة والقصيرة وتحليل أحداث الساعة فحسب، إذ يجب البحث عن الحقائق وتقديمها للجمهور، إضافة إلى تقديم ما يسمّى بالتلفزيون التفاعلي، الذي يحقق الدمج بين الإعلام التقليدي والجديد، ويتيح للجمهور بث ما لديه من أخبار ومعلومات، بحيث يصبح مشاركاً في الصناعة الإخبارية للقناة، مستشهدة بتجربة «سي إن إن» في هذا الشأن، معتبرة أن ذلك يسهم في توثيق الارتباط بين القناة وجمهورها».