لا يمكن المرء أن يعتبر تأسيس قناة «إخبارية سورية» سوى تعبير عن صوت الشعب، ومع هذا يبدو الأمر مثيراً للاهتمام، حيث إن بدل أن يجرى العمل على فسح المجال أمام قنوات تلفزيونية سورية خاصة، للظهور باختصاصات متعددة، بدءاً من الترفيهي منها، وصولاً إلى الإخباري. وبدل السعي إلى تحرير المجال الإعلامي التلفزيوني، في سورية، على الأقل اقتداء بالتجربة المميزة لتحرير المجال الإنتاجي الدرامي السوري، اتجهت الإرادات إلى إطلاق قناة إخبارية سورية، يُراد لها أن تُعتبر مستقلة، على رغم رسمية اسمها، إن لم نقل رسمية تشكيلها، وبنائها، وتوجهاتها. نظرياً، تذهب الأسئلة، بصدد «الإخبارية السورية»، في اتجاهين أساسين: أولهما يتمحور حول المدى الذي يمكن هذه القناة الوليدة، أن تبتعد به، أو تختلف عن «التلفزيون العربي السوري»؟ وما الجديد الذي يمكن أن تقدمه «الإخبارية السورية»، في هذا المجال، لا سيما أنها ستعتمد على الخبرات والكفاءات والتقنيات ذاتها، التي عملت (أو ما زالت تعمل) في «التلفزيون العربي السوري»؟ وثاني الاتجاهين يتمحور حول طبيعة فهم موضوع «الخبر»، وآلية التعامل معه، ومدى التجديد والمغايرة. فلقد أرسى التلفزيون السوري، كما سائر التلفزيونات الرسمية، أو الحكومية - العربية منها وغير العربية - وعبر خمسين سنة من الخبرة والتجربة، فكرة أن «الخبر» ما هو في الجوهر إلا «رسالة، وشعار، وخطاب»! بالتالي لا بد للخبر أن يمرّ، قبل أن يصل إلى مسامع الجمهور، عبر المصافي «الفلاتر»، حتى يتوافق مع التوجهات. الخبر، بمعنى الرسالة والشعار والخطاب، لعله سيكون واحداً من أهم مآزق نشرة أخبار التلفزيونات الرسمية، الحكومية، التي جعلت الجمهور الواسع ينفضّ عنها، إذ يأتي الحدث فيها مصاغاً على هيئة «بيان»، أو «توجيه»، أكثر مما هو «خبر»! زاد من فَضْح ِهذه الأزمة، خلال السنوات الأخيرة، توالد عدد من المحطات الإخبارية المختصة، العربية أو الناطقة بها، تلك القنوات الفضائية التي تنطلق من فهم مغاير لموضوع «الخبر»، وتتلخَّص بأن «الخبر» ما هو إلا «سلعة»، يتم عبر تداولها جلب «الجمهور»، الراغب في تداول هذه السلعة، في أسرع وقت، وأوسع تفاصيل. كان السؤال الأساس، الذي ينتظر إطلاق الإخبارية السورية، هو امتحان قدرتها على طرح فهم جديد، ومغاير، ل «الخبر»، وآليات التعامل معه، بما يمكّنها من حيازة أوسع جمهور، واكتساب ثقته. وهذا لا يتم إلا عبر عاملين أساسيين: مضموني، وتقني. فعلى مستوى المضمون، ينبغي للخبر أن يكون متنوعاً، شاملاً، راهناً، حاضراً، مفصلاً، متعدد الجوانب، موضوعياً. وعلى المستوى التقني ينبغي له أن يكون مدعوماً بالصور، والآراء، والشهادات، والتصريحات. الفترة التجريبية من البث، التي تقدمها الإخبارية السورية، لا تشي بأنها تجاوزت أسئلتها الأولى. ولا تفصح عن نيتها الذهاب إلى فهم جديد، ومغاير، لمعطى «الخبر». إنها تدور في المربع نفسه، الذي رسمه التلفزيون العربي السوري. وسيبدو الأمر أبعد من مجرد الاتكاء على الصور والمقتطفات البصرية و «الكليبات»، التي سبق أن رأيناها، على شاشته، وتبدو أقرب إلى النبرة واللهجة والطريقة ذاتها، التي تبناها. وهذا كله، يضيّق المسافة إلى حدّ التطابق بين «الإخبارية السورية»، و «التلفزيون العربي السوري».