العودة الروسية القوية إلى مطبخ صنع القرار العالمي، فتحت شهية الروس لاقتحام مجالات لم يجربوها. وروسيا التي ما زالت تفاخر بعد عقدين على انهيار الاتحاد السوفياتي بالحفاظ على مكانة متقدمة في مجالي التقنيات النووية والقدرات الصاروخية الهائلة، فضّلت هذه المرة أن تخوض تجربة جديدة لإثبات ندّيتها الكاملة مع الغرب، تكون الأسلحة المستخدمة فيها هي الجمال والثقافة العامة وخفة الظل. هكذا، ستستضيف موسكو في التاسع من الشهر المقبل، وللمرة الأولى في تاريخها، مسابقة اختيار ملكة جمال الكون. أجمل جميلات العالم سيتنافسن على اللقب في عرض تتواصل التحضيرات له بنشاط زائد، في قاعة فاخرة تستوعب ستة آلاف شخص. وتستعد النخبة الروسية للحدث بإقبال نشط على بطاقات الحضور التي تجاوز سعر بعضها مئة ألف روبل (3200 دولار). وتشارك 86 متسابقة من عشرات البلدان في التنافس على التاج المرصع بالماس، عبر مراحل بينها عروض بملابس البحر تم تجاوزها في مسابقة ملكة جمال العالم والتي نُظِّمت أخيراً في جزيرة بالي الأندونيسية، بسبب تحفظات من المنظّمين. ومع العرض الثاني الذي تظهر فيه ملكات الجمال بأزياء صُمِّمَت بعناية للمناسبة، تصل المسابقة إلى مرحلتها الحاسمة في اللقاءات الخاصة مع المتنافسات، والتي تبرز الثقافة العامة والحضور الشخصي لكل منهن... وخفة الظل. أما موسكو فتسعى إلى تحقيق مكسب يحوِّلها عاصمةً للجمال الكوني، وليس فقط مسرحاً لاختيار الملكة. لذلك بذلت جهوداً اضافية للترويج للمتنافسة التي تحمل اللقب الروسي الميرا عبدالرزاق، الكازاخية الأصل على أمل أن يكون عرش الجمال العالمي من نصيبها. أما من الجانب العربي فستتجه الأنظار إلى الملكة اللبنانية كارن غراوي التي تحولت سفيرة العرب إلى عالم الجمال، وشاركت قبل أسابيع في مسابقة ملكة جمال العالم. لكن الحضور اللبناني لم يقتصر على «الملكة»، إذ يتمثّل أيضاً بعدد من مصمّمي الأزياء ومصفّفي الشعر الذين ستكون للَمَسَاتهم أهمية بالغة بالنسبة إلى مسار المسابقة. ومع اقتصار الوجود العربي على لبنان، يبدو حضور ملكة جمال إسرائيل دافعاً لتحفيز التنافس على اللقب، فالسياسة لم تغب يوماً عن مسابقات الجمال. يكفي أن البليونير الأميركي دونالد ترامب رئيس مؤسسة ملكة جمال الكون دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى حضور المناسبة. ولم يخفِ المنظمون من الجانب الروسي سعادتهم بتحقيق انجاز استضافة المسابقة، وقالت ناطقة باسمها: «هذا حلم قديم ظل يراودنا وهو يتحقق الآن». مظهر «الملكات» المتنافسات بدا لافتاً وهنّ يقمن بجولة في الساحة الحمراء ويهتفن «أهلاً بكم في موسكو». إذ بدت الساحة التي اخذت شهرتها في العهد السوفياتي من العروض العسكرية الضخمة والفعاليات المهيبة، مهيأة لتبديل ملامحها في استقبال متسابقات من نوع آخر، لا مكان معهن للبدلات العسكرية ولا للأعلام المرفوعة وضجيج الطائرات. وتشكل المناسبة حدثاً نادراً كي تلتفت الصحافة الروسية قليلاً عن تغطيات حملت أخيراً كثيراً من مخلفات خطاب «الحرب الباردة»، وسيكون بإمكانها ان تسترخي قليلاً وهي تتابع مراحل المسابقة ولحظة تتويج الملكة. وكما قالت أخيراً إحدى الصحافيات «قد تختلف روسيا مع الغرب في ملفات كثيرة، لكن الطرفين اتفقا بالتأكيد في هذه اللحظة... على الجمال».