ذهل وزير الخارجية الأميركي السابق كولن باول، يوم استقبله العاهل المغربي الملك محمد السادس في مراكش، وقال له: «كنت أتمنى لو تبدأ جولتك إلى المنطقة بزيارة القدس». كانت الأحداث ملتهبة في الشرق الأوسط. واحتفظ باول كما غيره من المسؤولين الأميركيين بمنطق المصارحة شبه الجارحة في كلام العاهل المغربي. بعد أكثر من عقد يتوقع أميركيون ومغاربة أن تنطبع القمة التي ستجمع العاهل المغربي إلى الرئيس الأميركي باراك أوباما الشهر المقبل في واشنطن بدرجة عالية من الصراحة. ليس أبعدها أن القمة تأتي في أعقاب أزمة طاولت علاقات البلدين الحليفين، على خلفية اقتراح أميركي لجهة توسيع صلاحيات بعثة «المينورسو» في الصحراء، كي تشمل رقابة أوضاع حقوق الإنسان، وعلى رغم التراجع الأميركي، فإن قضية الصحراء تظل حجر الزاوية في انشغالات الرباط محلياً وإقليمياً. وبعد أن كان الملك الراحل الحسن الثاني يريد من الغرب معاملة بلده كعضو في نادي الانتساب إلى المنظومة الغربية التي قال إن بلدانها تتصرف كأعضاء في نادٍ، وليس كقرار سياسي، خلال فترة الحرب الباردة، يرغب خلفه محمد السادس في حيازة دعم أكبر لخطة الحكم الذاتي، كونها تستند إلى معايير التدبير الديموقراطي لقضايا السكان. وإذ يجتمع إلى الرئيس أوباما سيضع في الاعتبار الوصفة الأميركية التي دفعت في اتجاه قيام تعاون أشمل في محاور التحديات الأمنية في الساحل جنوب الصحراء والأزمة السورية، وجمود المفاوضات في الشرق الأوسط. وفي غضون ذلك يستند إلى «الهدية» الأميركية التي جعلت بلاده عضواً مراقباً في حلف «الناتو» واتساع حجم التعاون العسكري بين البلدين ومقتضيات اتفاق التجارة الحرة. إضافة إلى هاجس التوازنات الإقليمية. وكما لا تبدو الإدارة الأميركية في وارد فقدان صداقات دول عربية حليفة، فإنها مدعوة للإصغاء إلى الهواجس التي تهيمن على آفاق هذه العلاقات، وليس صدفة أن العاهل المغربي سيبدأ زيارته المرتقبة إلى واشنطن بعد زيارة خاصة لدولة. إذ يسود اعتقاد أن الرباط في ضوء شراكتها الإستراتيجية مع بلدان مجلس التعاون الخليجي ستحمل بعضاً مما يجول في الخواطر حول الوضع في المنطقة. فالمغرب ظل ملتزماً دعم الموقف الإماراتي في قضية الجزر الثلاث. بل إنه قطع علاقاته الديبلوماسية مع طهران بسبب ما يعتبره تدخلاً في الشؤون الداخلية ومحاولات زعزعة استقرار دول عربية عدة. واستبق زيارته بإعلان صريح حول تفهم الموقف السعودي إزاء رفض عضوية مجلس الأمن الدولي. والأهم في الموقف المغربي أن الرباط سبق لها أن تحملت العام الماضي مسؤوليات في مجلس الأمن، وبذلك فهي أكثر إلماماً بالعوائق التي تحول دون اضطلاع المنتظم الدولي بما يعول عليه لفائدة ترسيخ أسس السلام والاستقرار. لكن العاهل المغربي أعلن في آخر خطاب أن قضية الصحراء تواجه صعوبات وأن الأمر لم يحسم بعد. ما يضفي على مباحثاته المرتقبة مع المسؤولين في البيت الأبيض والكونغرس أبعاداً مهمة، لجهة امتزاج الرأي إزاء حظوظ الحل السياسي للنزاع الإقليمي الذي يراوح مكانه منذ حوالى أربعة عقود. ويفهم من زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري للمنطقة أن واشنطن ترغب في الإلمام بكافة حيثيات وخلفيات التوتر القائم، على ضوء المعطيات الجديدة. ومن ذلك أن الموفد الدولي كريستوفر روس سيكون عرض أمام مجلس الأمن تقريراً وافياً حول نتائج زيارته إلى المنطقة. بيد أن أهم تطور حدث يكمن في الربط بين الأوضاع في الساحل واستمرار نزاع الصحراء. ودعا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى تسريع حل التوتر لقطع الطريق أمام الانفلات الأمني الذي يهدد المنطقة برمتها. فيما ذهب الديبلوماسي الأميركي روس إلى اعتبار انفراج العلاقات المغربية – الجزائرية مؤشراً إيجابياً، في حال حدوثه، لجهة تسريع الحل السياسي وتطبيع علاقات البلدين الجارين. هي حزمة قضايا متشابكة ستكون محور القمة المغربية – الأميركية. ولا يبدو أن الرباطوواشنطن تلتفتان إلى الوراء في خلافات كادت تعكر أجواء التحالف التقليدي. وحين طرح العاهل المغربي فكرة إقامة حوار مغاربي – إفريقي يطاول بلدان الشمال الإفريقي والساحل، لم يكن يتوجه إلى الأوروبيين الذين زادت انشغالاتهم، بخاصة باريس حيال مخاطر الأوضاع الأمنية فحسب، بل كان يضع في الاعتبار أن الأميركيين دخلوا على الخط قبل سقوط شمال مالي في يد المتمردين والتنظيمات الإسلامية المتطرفة. بهذا المعنى فإن الدعم الذي يتوخاه المغرب يزيد عن تثبيت ما يعتبره حقوقاً في إقليم الصحراء، نحو طرح مبادرة وفاقية تتخذ من صيغة الحكم الذاتي منطلقاً لمعاودة تفعيل الاتحاد المغاربي، وبناء محور جديد بين شمال إفريقيا وامتدادها الجنوبي. والراجح أن الفكرة التي قوبلت بدعم أوروبي لن تكون بعيدة من انشغالات واشنطن في إطار ترتيب المنطقة، إذ تذوب المسافات بين شمال إفريقيا والشرق الأوسط.