إسرائيل تقتل وتصيب 45 فلسطينياً في غزة    مجموعة القوات الجوية الملكية السعودية تشارك في معرض البحرين الدولي للطيران    ترمب يلمح للترشح لولاية ثالثة.. هل يعدل الدستور الأمريكي؟    عبدالعزيز الفيصل يرأس الاجتماع الثامن لمجلس إدارة اللجنة الأولمبية والبارالمبية السعودية    القبض على إثيوبي في ظهران الجنوب لتهريبه (13) كجم «حشيش»    ترمب يفي بوعوده ويجلب ماسك للبيت الأبيض    تكريم الفائزين بجائزة الأمير سلطان العالمية للمياه في فيينا    «صنع في حائل».. منتجات ومأكولات شعبية تبهر وزير التجارة    «سلمان للإغاثة» يوزّع 500 سلة غذائية للمتضررين في حي الرمال بقطاع غزة    نائب وزير العدل يبحث مع وزير العدل في مالطا سبل تعزيز التعاون    وزير الداخلية يرعى الحفل السنوي لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية    تنظيم المؤتمر العالمي الثالث للموهبة والإبداع    وزير الثقافة يلتقي نظيرته الفرنسية في باريس    NHC تواصل ترسيخ رؤيتها المستقبلية بتوقيع 19 اتفاقية بشراكات نوعية خلال يومها الثالث في معرض سيتي سكيب العالمي    بيتكوين تتجاوز 92 ألف دولار لأول مرة على الإطلاق    الشريف يزور أسمنت الجنوبية    قائد القوات المشتركة يستقبل وزير الداخلية اليمني    إرشاد مكاني بلغات في المسجد الحرام    سلمان الفرج يتعرض لإصابة في الركبة    الوداد تتوج بذهبية وبرونزية في جوائز تجربة العميل السعودية لعام 2024    أمانة القصيم تستعرض مشروع النقل العام بالحافلات في جناحها    جناح أمانة الشرقية في معرض سيتي سكيب يقدم تجربة تفاعلية للتنمية    أمير المدينة يتفقد محافظتي ينبع والحناكية    مستشفى عسير المركزي يُنفّذ فعالية "اليوم العالمي للصحة النفسية"    أمير المنطقة الشرقية يرعى الحفل الختامي "لمسبار 8" ويستقبل سفير جمهورية أوكرانيا    "تجمع الشرقية" الصحي يُطلق حملته للتوعية بمرض السكري    محافظ الطائف يرأس إجتماع المجلس المحلي للتنمية والتطوير    معرض الدفاع العالمي 2026 يعلن عن حجز 88% من مساحة الجناح الصيني    هيئة التراث تُسجل 5 مواقع أثرية جديدة في منطقة جازان ضمن السجل الوطني للآثار    نائب أمير جازان يستقبل الرئيس التنفيذي لتجمع جازان الصحي    جيش الاحتلال يهجر 6 مناطق في ضاحية بيروت    رئيس جمهورية تشاد يصل إلى المدينة المنورة    في 100 لقاء ثنائي.. قمة الرياض للتقنية الطبية تبحث توفير فرص ذهبية للمستثمرين    الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 تصل إلى لبنان    الكويت تدين تصريحات وزير حكومة الاحتلال بشأن فرض السيادة على الضفة الغربية    محمية جزر فرسان.. عودة الطبيعة في ربيع محميتها    انطلاق المؤتمر الدولي لأكاديميات الشرطة    السعودية الأولى خليجياً وعربياً في مؤشر الأداء الإحصائي    إحالة ممارسين صحيين للجهات المختصة.. نشروا مقاطع منافية لأخلاقيات المهنة    إسناد التغذية والنقل ل«جودة الخدمات» بإدارات التعليم    في بيتنا شخص «حلاه زايد».. باقة حب صحية ل«أصدقاء السكري»    ماذا لو نقص الحديد في جسمك ؟    الأهلي يطرح تذاكر مواجهته أمام الوحدة في دوري روشن    الاتفاق يعلن اقالة المدير الرياضي ودين هولدين مساعد جيرارد    فوبيا السيارات الكهربائية    «نأتي إليك» تقدم خدماتها ب20 موقعًا    «طريق البخور».. رحلة التجارة القديمة في العُلا    السِير الذاتية وتابوهات المجتمع    المنتخب السوداني يسعى لحسم تأهله إلى أمم أفريقيا 2025    إضطهاد المرأة في اليمن    يسمونه وسخًا ويأكلونه    يأخذكم في رحلة من الملاعب إلى الكواليس.. نتفليكس تعلن عن المسلسل الوثائقي «الدوري السعودي»    ولادة أول جراء من نمس مستنسخ    الأخضر يحتاج إلى وقفة الجميع    «الغذاء»: الكركم يخفف أعراض التهاب المفاصل    التحذير من تسرب الأدوية من الأوعية الدموية    الأمر بالمعروف بجازان تفعِّل المحتوي التوعوي "جهود المملكة العربية السعودية في مكافحة التطرف والإرهاب" بمحافظة بيش    أمير الرياض يطلع على جهود الأمر بالمعروف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المأساة المضاعفة
نشر في الحياة يوم 27 - 10 - 2013

وسط خراب يزداد اتساعاً كل يوم بلا أفق منظور لمخرج، يشعر فلسطينيو سورية بأنهم عالقون في فخ. ليس فحسب لأن عدد الضحايا، ممن فقدوا حياتهم، بلغ حتى نهاية أيلول (سبتمبر) الفائت، وفق أرجح التقديرات الرصينة والمختصة، 1597 شخصاً، غالبيتهم الساحقة موثقة بالأسماء والتواريخ وحيثيات القتل، بل بسبب الشروط المحيطة بمن بقي منهم في البلاد، بعدما تمكن من مغادرتها ما يقرب من 60 في المئة من اللاجئين (أي مَن هُجِّر من فلسطين إثر نكبة 1948، وهم مسجلون لدى «اونروا»)، والنازحين (أي من هجر إثر حرب 1967، أو بعد أحداث الأردن عام 1970، وفرّ إلى سورية، ممن لا تشملهم خدمات وكالة الامم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين، ولا حمايتها، على فرض انها توفر مثل هذه الحماية أو تشعر بمسؤولية تجاه «رعاياها»). هناك 7 مخيمات للفلسطينيين من أصل 12 مخيماً موجودة في سورية، تحولت الى ساحات حرب.
القصف الارضي والجوي، والقنص الذي لا يتوقف، واكبتهما التصفية على الحواجز أو في المعتقلات. ومنذ عام بالتمام بدأ حصار المخيمات، إثر اشتباكات جرت في داخلها بين مجموعات مؤيدة للنظام وأخرى معارضة له. ولا بد هنا من التنبه إلى أن المخيمات في سورية هي أحياء سكنية ممتدة، تتخالط أطراف مساكنها مع أحياء السوريين، كما يسكنها هي نفسها السوريون وأبناء جنسيات أخرى ممن يعيشون في سورية. ولأن الفلسطينيين هناك لم يسبق لهم التعرض للتمييز، ولا للتضييق، فهم بخلاف لبنان مثلاً، لم يكوِّنوا ما يمكن اعتباره «غيتوات». لا شيء هناك يشبه مخيم عين الحلوة الذي يكاد يكون من الممكن تخيله محاطاً بسور يُقفل بابه بالمفتاح، ولا مخيمي نهر البارد أو البداوي اللذين تحدهما عزلة عن الأحياء والقرى المجاورة، هي في آن سوسيولوجية وجغرافية. فاليرموك، أكبر مخيمات اللجوء الفلسطيني في سورية، حيث يسكن أكثر من نصف العدد الإجمالي للفلسطينيين (رسمياً حوالى 450 ألفاً، وفعلياً ما يقارب ال700 ألف) يمتد بحرية، كأحد أحياء دمشق، ويتخالط مع محلة التضامن أو الحجر الأسود... وكانت المخيمات، منذ بدء الانتفاضة السورية، وقبل هذا العام الأخير، قد تحولت ملجأً شبه آمن لجيرانها من السوريين الهاربين من الجحيم المستعر.
هل كان وهماً خالصاً افتراض إمكان الحفاظ على «حياد» المخيمات الفلسطينية؟ ثم ما هو الحياد، ما هي حدوده وتعريفاته؟ لقد سقط أول تسع ضحايا من فلسطينيي سورية بوصفهم «شهداء تمرير الخبز»، كما أُطلِق عليهم. بداية في درعا، في آذار (مارس) 2011، حيث راح أبناء مخيم اللاجئين في هذه المدينة يتصدون لمهمات إسعاف الجرحى ونقل المواد الغذائية الى السكان. فما قد يبدو تصرفاً بديهياً تحركه المشاعر الإنسانية، علاوة على روابط الجيرة والصداقة، تنظر اليه السلطة السورية كتصرف تضامني مع المنتفضين، وعدائي تجاهها. وفي منتصف أيلول الفائت، وصل عدد «شهداء تمرير الخبز» الى 42 شخصاً، سقطوا برصاص قناصين أو تصفيةً عند حواجز الحصار، عقاباً لهم على محاولتهم نقل المواد الغذائية أو الطبية الأولية الى أهاليهم، والى من لجأوا اليهم من جيرانهم السوريين، فاستضافوهم في بيوتهم ومدارس «اونروا».
كيف يستقيم أن «يحق» للفلسطينيين الانخراط في التنظيمات المؤيدة للسلطة القائمة في سورية، أي ممارسة السياسة في نهاية المطاف، ولا يحق لهم اتخاذ مواقف مغايرة بل معارضة. واجهتهم السلطة السورية بفكرة أن الحيز السياسي الوحيد المتاح لهم هو تأييدها اعترافاً بالجميل. وكأن كل السردية الشائعة عن الأمة الواحدة التي قسّمها الاستعمار، وعن غاية الغايات أي مجابهة إسرائيل، وعن قدسية القضية الفلسطينية الخ... تتلاشى عند أعتاب اللحظة الصراعية الجارية. إنه انتقال فاضح من مقولة أن الفلسطينيين في سورية شبه مواطنين، بالنظر الى الموقف القومي، ومن المعاملة التي تمتعوا بها، والتخالط الكبير مع السكان، إلى موقف هو في عمقه مثقل بمنطق استعبادهم (ولعله تطبيق للقول السائر: طوق عنقي بجميله!).
ولو اقتصر الأمر على أخطار الموقف المتخذ، لبدا عادلاً ان يتحمل من يخرج لمعالجة جريح مثلاً وزر حالة الحرب، فيُقتل أو يُجرح، مثله مثل سائر خلق الله في هذه الحالات، بصرف النظر عن ملّته وجنسيته. وكذلك ان يتحمل من يقرر الانحياز الى المعارضة وزر موقفه. أما أن يتم إيصال «العتب» على الفلسطينيين، لأنهم أخلّوا ب «أصول الضيافة» كما كرر أكثر من مسؤول سوري، الى التشدد في قمعهم والتفنن في معاقبتهم، بصفتهم تلك وبسببها، فيقع خارج كل عرف، ويثير الاستنكار.
في الجهة المقابلة، تَفترض تنظيمات المعارضة السورية، وعلى الأخص تلك المسلحة، أن على الفلسطينيين إثبات عدم تواطؤهم مع النظام، وتُعاملهم بناء على ذلك بارتياب، فلا يرضيها أقل من إثبات حسن نيتهم بانحيازهم العملي والملموس إليها.
ولا شك في ان تلاشي ما يمكن اعتباره مرجعية تمثيلية للفلسطينيين فاقم حالة استضعاف إرادتهم الحرة، وكذلك استسهال التنكيل بهم، علماً أن التقليد السياسي السوري لم يقر يوماً بحصرية تمثيل منظمة التحرير للفلسطينيين («الممثل الشرعي والوحيد» وفق القمم العربية بالإجماع، ولو شكلاً)... لا سيما في وقت يختار فيه مثلاً المسيحيون الأرثوذوكس السوريون ان يوجهوا، بمباركة السلطات الرسمية السورية التي رغبت في استخدام ذلك للإشارة الى الخطر المحيق بالأقليات، نداء الى روسيا كي تعتبرهم رعاياها، وتمنحهم جنسيتها وتضعهم تحت جناحها. ويصعب ألا يجد هذا المسلك من يطالب بجره على كل الجماعات السورية، أو المقيمة في سورية، لنعود الى نظام الملل والقنصليات الحامية أو الضامنة!
رب قائل إن وجود أكثر من مئة الف ضحية سوري في غضون أقل من ثلاث سنوات، عدا المعتقلين والمفقودين والجرحى، وهؤلاء الفارين من الجحيم الى أركان الأرض الاربعة، وتعرض المدن والقرى السورية لكل انواع القصف، وتعرض السوريين لكل أصناف التنكيل، يساوي بين الضحايا... وأن لا خصوصية فلسطينية هنا... سوى أن تضييق خناق الحصار على عدد من المخيمات، إلى درجة دفعت بعض أئمة المساجد فيها الى نبش فتوى جواز أكل القطط والكلاب، هو الحدث غير المسبوق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.