الاثنين 21/10/2013: في سورية في سورية وتكتب قصائد حب. انها معارضة فعلاً. في سورية وتغني بملء صدرها مواويل ومقاطع من أوبرات، انها المرأة الحياة. في سورية وتتكلم العربية بطلاقة وتكتبها بلا أخطاء املائية أو نحوية. انها عربية حقاً. في سورية وتعرف حدود سورية. انها مواطنة متحضرة. في سورية وتضجر من «أبدية» النظام الخانق. انها سورية حرة. في سورية وتصلي لله وحده. كم صار التدين نادراً في صخب الشعارات. في سورية وتحب سورية بلا مصلحة مباشرة. انها وطنية بامتياز. الثلثاء 22/10/2013: إيزابيل أبرهارت الربيع العربي الذي أنتج حروباً من جوف مجتمعاتنا، لا يسمح بالقراءة، فكيف للمهدد في بيته وجسده أن يتامل ويعزز تأملاته بقراءة أدب محلي أو أجنبي؟ من هنا تحدي إصدار الأعمال الكاملة لإيزابيل ابرهارت «كتابات على الرمال» (عن دار الجمل، بترجمة عبدالسلام المودني ومراجعة صالح الأشمر). الكاتبة الرحالة التي تكتب مغامراتها بما يشبه الأسطورة، هي أيضاً أسطورة في حساسيتها المرهفة وحياتها القصيرة وطلبها للحرية وكشف المجهول، وفي هذا شبه بآرتور رامبو الشاعر الذي كتب قصائده المعادلة لمجهولات النفس، ثم تجاوز مغامرة القصيدة الى مغامرة الحياة. وقد اجتمع ابرهارت ورامبو على مقصد واحد: المغامرة في صحراء أو شبه صحراء عربية حيث يسطع الإسلام في ظلمة البداوة ويتأرجح السواد والنور كأنما يعبّران عن مسار الإنسان في البحث عن مصيره. وفي حين كتب رامبو نصّه الشعري مؤسساً لا تابعاً أو مطوراً، نجد ابرهارت وفية للرومانسية التي كانت ملائمة لوصف مغامراتها وأحوالها في عمق الصحراء وحركة الرمل والبشر واللون. ولدت في جنيف عام 1877 لأم روسية وأب بقي مجهولاً، لكنها وجدت الانتماء في المغامرة حيث الأمكنة هوية أو بالأحرى هويات، أعطتها موتاً مبكراً، إذ غرقت في رمل الصحراء عام 1904. وما جاورها وفي عمق الصحراء تنكرت في صورة فتى بدوي وفي صورة امرأة عربية، لكن أكثر تنكرها كان في شخصية محمود السعدي التي عاشتها كامرأة/ رجل كما ووقعت بهذا الاسم الكثير من كتاباتها. 27 عاماً من أسرار استطاعت كتابات الفتاة ان تكشف بعضها، لكن الكثير يبقى مجهولاً وعرضة للشائعات كالقول ان يعقوب صنوع مؤسس المسرح المصري الذي كان منفياً في فرنسا ويصدر منها صحيفته الانتقادية «أبو نضارة» هو من أرشدها الى الإسلام فعبرت المتوسط لتغرق في رمل لا في ماء. «كتابات على الرمل» (1186 صفحة في مجلدين) هو مغامرة في المجتمعات الإسلامية العربية والأمازيغية وفي تضايف الرمل والخضرة في الشمال الأفريقي، وفي زحمة ذلك كانت ابرهارت تجد وقتاً لكتابة قصص وروايات عن التمرد في أوروبا تلك المرحلة، هواجس في شكل أبطال وحكايات لم تر الكاتبة معادلهما الموضوعي إلاّ قليلاً. وحده الإحساس كان قادراً على تشكيل أمكنة وشخصيات وأفكار. من «كلمات على الرمال» هذا الوصف: وكانت الشمس تدور وتنزلق مائلة على بقايا جدار حيث حفرت مياه الأمطار أخاديد سوداء صغيرة. وهكذا، على الطوب المخدد، كانت العظاءات تأتي طالبة متعتها. كانت أمامي، وقد شدت انتباهي لفترة طويلة. اثنتان منها، رقيقتان مثل ابرتين ورماديتان، كانتا تلعبان، تطارد إحداهما الأخرى بسرعة ومرونة، محركة دوائر ظل صغيرة على واجهة الجدار. وكانت عظاءات أخرى، أكبر حجماً، وزرقاء اللون ممددة تتنفس، نافخة بطونها الخشنة، والأجمل من بينها تزهر بألوان نادرة مثل ورود طويلة سامة. وهناك على الخصوص من هي أكبر حجماً بلون أخضر كالزمرد الخالص، وجيدها مغطى كله بنقاط ذهبية أشبه بعيون يعاسيب، وعلى رؤوسها المسطحة خطوط ذهبية أرجوانية تمثل رسماً معقداً. كانت تستلذ بالحرارة، ممددة بكسل وقد تدلّت ذيولها الرخوة. وتثبت على ذلك الوضع ساكنة وسعيدة ومع ذلك لم تكن تسقط. وتفتح افواهها في بعض الأحيان كأنها تتثاءب برهافة. وتبدو كأنها تسخر كثيراً من الحركات الطفولية للعظاءات الرمادية الصغيرة التي تستمر في سباقها الدائري، وكأنها مصابة بالدوار». الأربعاء 23/10/2013: كلمات الوقت، قليله يؤزّم وكثيره يبدّد. وأنت تشكو من كثرة الوقت، من ثرثرة سارقي الأحلام، وإحالة السعادة على الماضي وتحقير المستقبل. والوقت وحده لا يكفي للكتابة. نحتاج الى قوة تضبط طيران الافكار واختلاطها في الفضاء، قوة تفرج عن كلمات حبيسة في النفس لألف سبب وسبب، كلمات تحتاج الهواء والمدى مثل طير لا مثل موظف خائف. والكتابة للمتوقع والمفاجئ، صادقة مثل ماء يسيل، وصادمة قد تجرح أو تودي الى هاوية. كتابة يستحقها بشر يرون تعاقب أيامهم في العدادات، يحصون الكلمات كمن يستقل التاكسي الأسود في لندن. ولكن، ثمة فسحة ضرورية لما لا ننتظر. الصدفة، مجرد الصدفة، ونعبرها الى صدفة أخرى. الخميس 24/10/2013: محمد دكروب لبيت في الأسبوع الماضي طلب محمد دكروب بأن أكتب شهادة عن جريدة «السفير» اللبنانية التي عملت فيها محرراً ثقافياً من أواسط سبعينات القرن الماضي الى أواسط ثمانيناته. وتلقيت اليوم دعوة لحضور احتفال بمئوية الأديب والمفكر الراحل رئيف خوري السبت المقبل في قصر الأونسكو في بيروت، وورد في برنامج الاحتفال ان محمد دكروب سيرأس المحور الأول من المحاضرات الذي يتحدث فيه انطوان سيف ويمنى العيد وفيصل دراج... بعدها بساعة تلقيت خبر وفاة دكروب. ناقد وناشط حتى الرمق الأخير، تلك أبرز صفات رجل دخل عالم النقد الأدبي والتاريخ السياسي والاجتماعي من باب الهواية، وتدرج فيه بدأب العصامي الى أن بلغ ما بلغه من حضور وتأثير. يعنيني هنا الإشارة الى احتفال دكروب وفرحه بولادة مبدعين لبنانيين وعرب والعمل على متابعتهم وتشجيعهم، وتلك كانت سمة مثقفي الحزبين العلمانيين البارزين في لبنان: الحزب الشيوعي والحزب السوري القومي الاجتماعي. كانا ولا يزالان على طرفي نقيض لكنهما يجتمعان على تشجيع الإبداع ويعود اليهما الفضل في بروز أسماء كبيرة في الشعر والرواية والرسم والسينما والمسرح، من دون أن يطلبا الانتساب الى الحزب بالضرورة. كان ثمة إحساس بأن الأدب طريق الى الوعي بوجهيه الاجتماعي والسياسي وكان ذلك كافياً للمشجعين. وتميز دكروب بشعلة أمل في قلبه وعقله لم تنطفئ إلا بالموت، وكان جريئاً وواضحاً، مع دماثة لا تقطع الصلة بالآخر المختلف، وأبرز آثاره الباقية مجلة «الثقافة الوطنية» التي أصدرها في مطلع خمسينات القرن الماضي وكانت نادياً نهضوياً أدبياً، ما يستدعي استعادتها في طبعة تذكارية، وهناك كتابه «جذور السنديانة الحمراء» الذي لا يؤرخ فقط لحزبه بقدر ما يؤرخ لأحلام جيل لا تزال تغذي الأمل بأن تعبر بلادنا مخاض الحداثة لتجد سلامها وحضورها في العالم. الجمعة 25/10/2013: الجرّاح يغادر الجرّاح غرفة العمليات مثل محارب يستريح. يقلّب الأجساد والأرواح بين يديه ثم يأخذ فرصة زمنية للتأمل. ماذا إذا كان المريض يستحق موتاً ليتوقف موت الآخرين؟ ماذا إذا كان يستحق حياة جديدة ليغمر السلام عالمنا وينتشر الزهر والغناء؟ ليس الجراح دياناً، انه أداة اللعبة التي ننتظر نتائجها على باب المستشفى، ولا تنتظرها الأمهات اللاهيات في بلاد تركناها لنمرض في غربتنا، ثم نسلّم أقدارنا الى غرباء ينتظرون النتيجة، ونفرح لمجرد انتظارهم إيانا في دنيا تقوم على التجاهل.