بعد ساعات على انتهاء أزمة الموازنة، دعا الرئيس الأميركي باراك اوباما الكونغرس إلى «إنجاز إصلاح نظام الهجرة الذي انطلق في الربيع»، لكن خصومه الجمهوريين في الكونغرس لا يشاركونه الحماسة ذاتها. واجتاز هذا الإصلاح حتى اليوم منتصف الطريق، إذ أقرّ مجلس الشيوخ الذي يهيمن عليه الحلفاء الديموقراطيون لباراك أوباما مشروع قانون تاريخياً، من شأنه أن يقود إلى الشرعنة الفورية ومنح الجنسية الأميركية لملايين المقيمين في شكل غير شرعي في الولاياتالمتحدة، وغالبيتهم من المكسيكيين في غضون 13 سنة حداً أقصى ومن دون شروط. وسيعزز المشروع المقدم في مجلس الشيوخ والذي أُقر بدعم الجمهوريين، الحدود مع المكسيك ويعيد تنظيم منح تأشيرات الدخول ليعطي الأولوية للمهن التي عليها طلب كبير، مثل المهندسين والعمال الزراعيين. لكن في الجانب الآخر من الكونغرس أي مجلس النواب، يشغل الجمهوريون معظم المقاعد وهم يعلنون معارضة أوسع لمثل هذا المشروع، إذ يعتبرون أنه يمنح «عفواً» عن ملايين الأجانب المقيمين في شكل غير شرعي. ويمثّل إصلاح الهجرة وفق الديموقراطيين فرصة لتلميع صورة المحافظين، الذين يُعدّون مسؤولين عن الشلل الأخير في الإدارات الفيديرالية في واشنطن، وتراجعت شعبيتهم هذا الخريف. ورأت المستشارة السياسية القريبة من الديموقراطيين ماريا كاردونا، أنها «فرصة ذهبية من شهر أو اثنين للتصويت في مجلس النواب على الإصلاح». لكن نواباً كثراً يرون في المقابل أن الأزمة الأخيرة في الموازنة ربما تكون تسببت بإزعاج الجمهوريين، غير المستعدين لمنح أوباما نصراً تشريعياً جديداً. وأكد النائب المقرب من «حزب الشاي» المحافظ راول لابرادور خلال الأسبوع الماضي، أن «هذا الأمر لن يحصل هذه السنة»، وقال «نظراً إلى الطريقة التي تعاطى فيها الرئيس في الأسبوعين أو الثلاثة الماضية برفض التحدث مع رئيس مجلس النواب، فهم لن يحصلوا على إصلاح الهجرة»، وفق صحيفة «يو أس إيه توداي». واستبعد النائب ارون شوك، أن «يكون هناك كثر في فريقنا من المهتمين بإصلاح الهجرة، أو أي ملف سياسي غير تقليص العجز». ويؤيد قسم من الجمهوريين الإصلاح الذي يمثل فرصة لاستعادة تأييد الناخبين من أصول أميركية لاتينية، وسيكون لهم ثقل متزايد في الانتخابات المقبلة ويؤيدون حالياً بنسبة كبيرة الديموقراطيين. ويُعدّ تعزيز الرقابة على الحدود وتحسين مراقبة الشركات لمنعها من توظيف أشخاص مقيمين في شكل غير شرعي، وزيادة عدد تأشيرات الدخول الممنوحة للعمال من أصحاب المؤهلات الكبيرة، تدابير تحظى بإجماع كبير وربما تقرّ في مجلس النواب إفرادياً. لكن تجنيس الأشخاص الذين لا يملكون أوراقاً ثبوتية هو النقطة الأساس العالقة، خصوصاً في ظل رفض الديموقراطيين أي إصلاح لا يشمل تسوية أوضاع هؤلاء. واقعية مطلوبة وأقرّ السناتور الجمهوري من أصل كوبي ماركو روبيو أحد اكثر الناشطين في الدفاع عن الإصلاح في تصريحات إلى قناة «فوكس نيوز»، بضرورة «التحلي بالواقعية حيال ما يمكن لمجلس النواب دعمه». لكنه لفت إلى «أمور سيكون صعباً التوصل إلى إجماع في شأنها، أصعب مما هو الوضع حالياً نظراً إلى الطريقة التي تعاطى فيها البيت الأبيض والديموقراطيون خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة». وعن الموقف من تداعيات أزمة الموازنة، أعلن وزير الخزانة الأميركي جاك لو، أن «شلل الموازنة الأميركية ألحق ضرراً بالاقتصاد الأميركي»، لكن أكد ثقته في قدرته على التعافي محذراً من «تكرار هذه التجربة». وقال في مقابلة مع شبكة «أن بي سي» الأميركية في برنامج «قابل الصحافة»: «تعلّمنا عام 2011 (أي خلال مأزق الموازنة الأخير) أن الاقتراب من الحافة يلحق بعض الضرر» بالاقتصاد. وشدد على أن اقتصاد الولاياتالمتحدة «قوي»، لافتاً إلى أن الأميركيين «كانوا يعملون بجدية للعودة من أسوأ ركود منذ الانكماش العظيم، ولا بد من ضمان عدم وصول الحكومة إلى مثل هذه الحافة مجدداً ولا يمكن حصول هذا الأمر». وأشار لو إلى أن «ثمة أشخاصاً سيبحثون في تفاصيل البيانات الاقتصادية خلال الأسابيع والأشهر المقبلة داخل الحكومة وخارجها»، موضحاً أن «تكاليف الاقتراض على المدى القصير ارتفعت، وواجبنا في واشنطن أخذ الأمور في الاتجاه الصحيح». واعترف بأن الوضع «كان مرعباً بعض الشيء لاقترابنا كثيراً من حافة» رفض رفع سقف الدين. وكان مجلسا النواب والشيوخ الأميركيين صادقا الأسبوع الماضي على مشروع قانون إعادة فتح المؤسسات الحكومية ورفع سقف الدين، ما حال دون تخلف الولاياتالمتحدة عن تسديد مستحقاتها. ووقّع الرئيس الأميركي باراك أوباما فوراً على مشروع القانون الذي يوفر للسنة المالية 2014، مخصصات لمشاريع ونشاطات الحكومة الفيديرالية حتى الأربعاء في 15 كانون الثاني (يناير) عام 2015، ويسمح أيضاً بتمديد سقف الدين حتى 7 شباط (فبراير) عام 2014. استطلاع وأظهر استطلاع أن غالبية الشعب الأميركي «يحمّل المشرّعين وليس النظام مسؤولية المشاكل التي يعانيها الكونغرس». وأشارت نتائج الاستطلاع الذي أجراه مركز «بيو» الأميركي للبحوث، إلى أن 58 في المئة من الأميركيين رأوا أن «النظام جيد وأعضاء الكونغرس هم المشكلة»، في مقابل 32 في المئة «ألقوا اللوم على النظام». أما بالنسبة إلى الأحزاب، فقد «لام 46 في المئة من الديموقراطيين المشرّعين في مقابل 57 في المئة من الجمهوريين و55 في المئة من المستقلين». وأبدى 38 في المئة من الأميركيين عدم رغبتهم في «انتخاب أعضاء الكونغرس أنفسهم عن ولايتهم عام 2014»، وهي النسبة الأعلى في عقدين في الاستطلاعات التي أجراها المركز. وأُجري الاستطلاع بين التاسع والثالث عشر من تشرين الأول (أكتوبر) الحالي، أي قبيل توصل المشرّعين إلى اتفاق لإعادة فتح الحكومة.