لم تفقد حماستها بعد. استجمعت قواها في محاولة جديدة. حاولت الصعود. سقطت. جرت بكل ما بداخلها من عزيمة وإصرار ناحية الحواف، لم تجد مخرجاً. ستصمد. هل ستصمد؟ تراجعت للمنتصف وكأنها تفكر. المكان واسع وقد يدخله الهواء. ما الذي يجعلها تحاول الخلاص؟ قد يكون الدافع شخصياً وقد يكون شيئاً أكبر منه، لا يعرف هل تعاطف معها أم مل تكرار المشهد؟ أمال الكوب المقلوب قليلاً. اندفعت فرحة بانتصارها ناحية المخرج، أسرع ووضعها في وسط الكوب مرة أخرى، اصطدمت بالحافة، فتراجعت للخلف. أراد أن يزيد من اشتعال الموقف بينهما. ففكر ماذا يفعل أمام إصرارها؟ ذهب ليحضر أعواد الثقاب شعر بالفرح لما تخيلها وهي لا تستطيع تحمل الحرارة... عاد وبحث عنها ولكنه لم يجدها. ضفادع كان الصوت خافتاً لكنه مستمر في شكل جعله يفكر ماذا يمكن أن يوجد داخل سيفون الحمام، هو لا يستطيع القيام الآن من مكانه ولا يمكنه تجاهل ذلك الصوت الذي بدأ في التصاعد، توقف عما كان يفعله وارتدى ملابسه ثم فتح الغطاء، خرجت منه الضفادع تتقافز في كل مكان، جرى مسرعاً بينما الضفادع تتقافز في كل مكان وكأنها ستقتله، اتجه ناحية البلكونة، فلا يمكن أن تكون الضفادع في البلكونة أو في الشارع، في الثلاجة أو على الإسفلت، في الغسالة، اليوم الثلثاء وأنا اسمي شريف، الحمدلله لم أجن بعد، لكنها الضفادع في كل مكان كفيلم توماس أندرسون «ماجنوليا». بالضبط تتصرف بجنون. الاستثناء الوحيد أن السماء لم تمطر ضفادعها بعد، وهو ما جعله يشعر ببعض الأمل. وجد الضفادع تطارد الناس في الشوارع وتهاجمهم في البيوت بل وتقود السيارات أيضاً... لكن، لماذا لم تعد تهاجمه هو شخصياً. اكتشف السبب أخيراً، فها هو يقفز ويصدر أصواتاً قوية كضفدع نشيط يبحث عن أقرب بركة ليعيش فيها. هروب كالغانيات يتمايلن، يتشابكن، والشمس ما زالت تختفي، بقمصان نومهن الحريرية الشفافة وذيولهن الطويلة الممتدة. يتوغلن فى عمق السماء، يتراقص فوق المآذن والبيوت المتعانقة في حديثها الذي لا ينتهي، يحاول أحدهم أن يخلص طائرته من تلك الأسلاك، يفعل أقدرهم ذلك، ينساب الخيط من يديه – يشعر بآلام في أصابعه، والسعادة في عيونهم، تتكاثف السحب وتهم الأمطار بالسقوط عند السفح... تلوح عربة من عربات المطاردة خلف قضبانها يطلق صفارة، ينطلق لاعبو الكرة وهواة الطائرات، يأخذ العساكر الكرة، ينفلت الخيط من يد أحدهم، تعانق محبوبته السماء، يتابعها بنظرة وكأنها الشمس بينما يزداد هطول الأمطار. يركله العساكر ناحية الحوانيت التي تنغلق أبوابها، يسمعهم يرددون أغنية المطر، فيردد معهم ترانيم الملحمة. يا نطرة... نطري/ أقولك... اتفضلي/ تعالي... افطري/ وألف حارة حارة/ بالطبلة والزمارة/ يا نطرة... نطري. فان دام أحس بثقل الحقيبة على كتفه، فأنزلها وأمسكها بيده. تمنى لو شاهد فيلماً واحداً لذلك البطل الذي شاهد صديقه كل أفلامه الفيديو. اليوم سيفتتح المحل الذي كان يترقب تجديده. توقف ورأى الرجل السمين الذي يلبس الجلباب الأبيض الواسع وهو يقذف بقطع الحلوى في الهواء. ارتمى بكل قوته ناحية إحداها، ولكنه وجد الأيادي كثيرة ارتمت عليها، فى اللحظة نفسها، وسأل نفسه ماذا يقول لأمه عندما ترى ملابسه المتسخة. مرزوق مرزوق صديقه العزيز لم يعتقد أنه سيبيع مرة أخرى. اتجه به إلى المكان نفسه حيث تباع السلاحف والأقفاص والأسماك والعصافير الملونة والتي يتمنى أن يقتني بعضها عندما يكبر مرزوق هو (الفرد) الوحيد الذي باعه وعاد إليه مرتين. تذكر عندما أصيب بالروشة وكيف عالجه وتخلص من الدم الفاسد بالموس وكيف رعاه حتى عادت إليه صحته. كان تزاحم الأجساد يزداد كلما اقترب موعد صلاة الجمعة وكان لتلاحمهما طعم الملح فشعر بالعطش الشديد وهم بأن يعود. تقدم إليه أحد الأشخاص وبدأ يفاصله ففرد له جناحي مرزوق بثقة فصمم الآخر على شرائه بسعر أعلى. نظر إليه مرزوق نظرة طويلة، فمشى مسرعاً وكاد أن يجهش بالبكاء. أخرج النقود من جيبه وأعاد عدها مرة أخرى ومسح دموعه ثم اتجه ناحية الجامع. العربة بدا أن السماء ستمطر مطراً شديداً. فأطبق على أرغفة العيش لتسري سخونتها في يده، بينما جلست أمه على الرصيف. نظر إلى الآخرين، فوجد كلاً منهم يبعد عن نهر الشارع تحسباً للمطر. يعرف أن هذه هي المرة الأخيرة التي سيرى فيها والده قبل رحيله. ماذا سيكون مصيره ومصير أخته رشا. لماذا فعل والده ذلك؟ جاءت العربة وهجم عليها الجميع. نادت أمه زوجها بأسمائه: (يا أحمد... يا «بو رشا»... يا هُن) وبدأ المطر في السقوط، أخذت منه أمه السجائر والعيش، وزجاجة الكولا، وناولتها لزوجها ومدت يدها في الهواء تلامس يده بكل قوة. أسلمت العربة نفسها للريح فتابعتها بنظرة حتى صارت كأنها نقطة فى محيط .