انضمت إلى قائمة التوصيل المجاني «الدليفري» أخيراً، وإن لم تكن منافسة ل«وجبة سريعة» أو «قطعة أثاث» أو «جهاز إلكتروني»، خدمة جديدة لا بد أن من يطلبها سينتظر وصولها بحزن! ولا بد أن ألف دمعة قريبة ستسبق ذلك. كما ستعقبه ألف «عبارة عزاء»! اتصال لن يأخذ منك سوى هنيهات.. وكلمات مختصرة ب«نبرة حزن»، وإعطاء «كروكي» مبسط لموقع العزاء، تصحبه إجابة عن سؤال واحد: جنس المتوفى هل هو ذكر أم أنثى؟ وفي غضون ساعات! يكون تم تسليم «الكفن» مغلفاً مثل أية سلعة يتم توصيلها بنظام «الدليفري»! و«الكفن» منتج بلا تسويق، على خلاف بقية «طلبات الدليفري» المألوفة، ويقتصر توصيله على المتطوعين من «أهل الخير» إلى جميع أحياء جدةومكةالمكرمة بلا مقابل، في سيارة مخصصة لهذا التوصيل «الخالص لوجه الله»، على حد تعبير «أبومحمد» القائم على هذا العمل على مدار ساعات اليوم. مفاوضات قصيرة تمت بعد أخذ رقم موزع الأكفان من طريق إحدى الصحف الترويجية، ليعتذر عن عدم وجوده في جدة وذهابه إلى مكة لتوصيل دفعة أكفان لأصحابها، وتم الاتفاق على موعد تسليم الكفن، فيما بدا استياء «أبومحمد» ظاهراً، بسبب كمية الطلب التي لم تتجاوز الواحد، ورغبته في التوصيل بكميات كبيرة. «شعور متفاوت بين الإحساس بالرضا على تأديتي خدمة للناس، وحزن على تسليمي لآخر قطعة يخرج بها إنسان من هذه الحياة، في مقابل 100 ريال فقط»، هذا ما قاله «أبومحمد» في وصف شعوره عند توصيله للكفن. 2170 كفناً تم توزيعها خلال عامين بمعدل ثلاثة أكفان يومياً، لتكون عيناه شاهدتين على لحظات فراق المتوفى ورؤيته جَلَد المتسلِّم للكفن، الذي غالباً ما يكون من خارج عائلة المتوفى. «صندوق ورقي» يحوي كل حاجات «لحظات التأبين» و«بصمات الوداع» ممن سيشارك في وضع «اللمسة الأخيرة» لوداع الميت، بأدوات قليلة، وبضعة أمتار من القماش الأبيض، وبعض الروائح الزكية من سدرٍ وكافور وطيب، يبدأ بعدها الحداد، وتغلق صفحات حياة الميت.