بينما تغيب عن أذهان الكثيرين فكرة الموت، فلا يعدون له العدة، يكشف صاحب أكبر مصنع في جدة لتجهيز «الأكفان» أن المعلمات من بين فئات المجتمع الأكثر حرصاً على اقتنائها، إذ يطلبن من مصنعه توفير كميات كبيرة من الأكفان، ليتبرعن بها لمغاسل الأموات من باب فعل الخير، فيما تفضل أخريات الاحتفاظ بها. عبدالعزيز الغامدي صاحب مصنع «اللفة» لإنتاج الأكفان الجاهزة في جدة وأحد المختصين في تجهيز الأكفان والنعوش، يروي قصةً شخصية تؤكد أن كثيرين لا يفكرون في الموت، بعد أن قدم هديةً إلى زوجين ثريين في جدة أٌلقي بها في الشارع، وتسببت له بمشكلات لا حصر لها. تلك الهدية كانت كفنين للزوجين على سبيل التذكرة والعظة على حد قوله، ليردا عليه بأن الوقت ليس مناسباً لاقتناء الكفن فالحياة أمامهما طويلة. هذا الموقف يواجه عبدالعزيز عبدالله الغامدي صاحب مصنع «اللفة» لإنتاج الأكفان الجاهزة في جدة كثيراً، وهو يرى أن الناس تتشاءم وتغضب عندما يهدى لهم الكفن، مقراً بغرابة الهدية بالمقارنة مع مفهوم الهدايا الدارج لدى الناس، مع العلم بأن الكفن عبارة عن قماش وكافور وسدر لا يبعث على الخوف أو التشاؤم. ويضيف عبدالعزيز أنه أهدى ضابطاً في قطاع عسكري كفناً على شكل هدية شخصية في «مغلف» فاتصل به الضابط يعاتبه ويوبخه على الهدية، يقول الغامدي: «أردت أن أذكره بنهايته بعد أن زادت شكاوى الأفراد منه ومن قسوته عليهم وبالفعل، فبعد أن تفهم مدلولات الهدية تغير أسلوبه كثيراً معهم». ويكشف الشيخ الغامدي عن جوانب خفية في موضوع اقتناء الكفن فيقول إنه يعرف أحد كبار التجار في محافظة جدة عندما توفيت زوجته لم يكفنها إلا أهل الخير، ما جعل التاجر يتحسر على تلك اللحظة حتى الآن لعدم استعداده لمثل هذا الموقف، خصوصاً أن زوجته توفيت يوم جمعة، وكان يجهل مكان توفير الكفن. ويؤكد الغامدي أن غالبية السعوديين يجهلون مكان توفير الكفن، بل إن بعضهم - على حد قوله - يكون ملازماً لقريبه المريض في المستشفى فتراتٍ طويلة ولا يخطر على باله الموت أو الاستعداد له. وعندما يتوفى الشخص يقوم بتسليمه إلى «الشرشورة» مع أن السُنة النبوية ترشد بأن الأفضل أن يقوم أقارب المتوفى بغسله وتكفينه وليس غيرهم. ويغفل كثيرون بحسب الغامدي عن العمل في هذا المجال، لافتاً إلى أن أكثر من يعلمون فيه هم المحتسبون وأهل الخير، في ظل نسيان وغفلة الناس عن أهمية الكفن وتوفيره للأموات. ويضيف: «أجدادنا كانوا يجهزون أكفانهم وهم أحياء، بل يغسلونها دورياً بماء زمزم، وفي حال توفي أحدٌ في القرية أو الحي القريب لهم ولم يكن له كفن فيتصدق بكفنه على الميت، ويشتري غيره بشكلٍ مباشر، فلحظة الموت لا يعلمها إلا الله، ولا يجلبها الكفن عند الاحتفاظ به في المنزل».وعن الأعداد اليومية التي يبيعها المصنع، يؤكد الغامدي أن المصنع يهدف بالدرجة الأولى إلى عمل الخير، حتى أن أسعار الكفن لا تتجاوز 80 ريالاً، وتختلف الأعداد بحسب كل مدينة، ففي اليوم الواحد يصل بيع الأكفان في مكة إلى 40 كفناً، وفي جدة إلى 30، وهي أرقام ليست بالثابتة، «فأحياناً يتصل علينا أحد المحسنين يطلب توفير 1000 كفن وهكذا، فالأعداد متفاوتة بحسب الأيام، ولكن الغالب أن الناس لا تزال تجهل أهمية توفير الكفن».