اتسعت منتصف الشهر الجاري صلاحيات المفوضية الأوروبية لتتولى بمقتضى اتفاقات أبرمتها الدول الأعضاء مهمة مراقبة موازنة كل من دول منطقة اليورو، وسلطة مطالبة الدولة المخلة باتخاذ إجراءات إضافية تضمن تصحيح العجز المسجل ووسائل تحقيق أهداف الموازنة. وستعرض المفوضية نتائج الفحص والتوصيات في شأن الموازنة على حكومة الدولة المعنية وعلى الشركاء في منطقة العمل الواحدة. وتمثل الصلاحيات الجديدة جزءاً من حزمة تشريعات أوروبية صدرت عام 2011، وتعزز حاكمية الاتحاد في المجال الضريبي والسياسات الاقتصادية لدول الاتحاد ال28. ولكن الاتفاقات تقتضي تدابير خاصة في ما خص مراقبة الموازنات في المنطقة، في حين تعد الصلاحيات والإجراءات الملزمة التي يمكن المفوضية فرضها على الدول المخلة، أداة تحصين المنطقة من عواقب التسيّب في تنفيذ شروط ضبط العجز العام ومن أخطار تكرر تجربة إفلاس اليونان. وتكمل الإجراءات ترسانة الآليات الجديدة المتمثلة في الاتحاد المصرفي، حيث يتولى البنك المركزي الأوروبي من خلاله مراقبة الآلاف والسهر على تفادي الممارسات التي كلفت المصارف الأوروبية والموازنات العام تريليونات اليورو لتفادي الانهيار التام بين عامي 2008 و2012. وتعزز صلاحيات مراقبة موازنات حكومات الدول الأعضاء أهمية دور المفوضية الأوروبية بصفتها الجهاز التنفيذي للاتحاد، إذ تتولى بمقتضى المعاهدة تقديم المبادرات ومشاريع القوانين والسهر على تنفيذ التشريعات والاتفاقات الأوروبية. ويتمتع البرلمان الأوروبي بدور حاسم في مراقبة موازنة الاتحاد ومجالات إنفاقها والتحقيق في اتهامات هدر المال العام واتخاذ إجراءات ملزمة في شأنها. وتمثل السلطات المشتركة في مراقبة موازنات الدول الأعضاء، وكذلك الموازنة المشتركة، دليل تعميق مسار الاندماج الاقتصادي الأوروبي. وتمت الخطوات الأخيرة بفعل إفرازات الأزمة المالية غير المسبوقة التي عصفت بأسواق المال والنظام المصرفي في الولاياتالمتحدة وأوروبا الغربية غداة أزمة الرهن العقاري وإفلاس بنك «ليمان براذرز» في الولاياتالمتحدة خريف عام 2008. وعانت الاقتصادات الأوروبية من طول أزمة الكساد منذ العام 2008 وارتفاع البطالة إلى 12 في المئة في منطقة اليورو، في حين اضطرت الحكومات إلى اتخاذ إجراءات تقشف قاسية للتحكم في العجز العام وخفض الديون السيادية. ويستعيد المسؤولون الأمل باستعادة النمو بعد بروز مؤشرات إيجابية خلال النصف الثاني من السنة، ولكن سياسات التقشف تثير انتقادات في الأوساط الاجتماعية ذات الدخل المحدود، تجسّدت على الصعيد السياسي بميول قطاعات من الرأي العام نحو الأحزاب القومية واليمين المتطرف. ويُتوقع أيضاً أن تثير الصلاحيات الجديدة للمفوضية انتقادات أنصار «السيادة الوطنية» في اليمين المتطرف وأقصى اليسار في الكثير من الدول الأوروبية. وتهدف هذه الآليات إلى إحكام تنفيذ شروط الانضباط في صرف الموازنة ومحددات السياسة الاقتصادية والسهر على عدم تجاوز السقف المحدد. وتتجزأ مراقبة المفوضية على مرحلتين، إذ تصدر في الربيع توصياتها إلى كل من الدول المعنية وفق توجهات الموازنة، ثم تتسلم في 15 تشرين الأول (أكتوبر) مشروع الموازنة لفحص مدى الالتزام بالشروط المحددة سابقاً. ويتضمن المشروع أهداف الموازنة ومعايير تحقيقها والافتراضات العملية التي بني على أساسها. وتشترط الاتفاقات المبرمة أن تستند مؤشرات الوضع الاقتصادي إلى معطيات تصدرها مؤسسات مستقلة، مثل البنك المركزي ومكاتب التخطيط، بينما تصدر المفوضية رأيها قبل مصادقة البرلمان الوطني. وفي حال كانت حكومة الدولة المعنية تواجه عجزاً في الموازنة وتجاوزت شرط الثلاثة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، فإن الاتفاقات الأوروبية تقتضي أن يتضمن مشروع الموازنة وسائل تصحيح العجز ووجوب استجابة هذه الوسائل للتوصيات التي كانت حددتها المفوضية في الربيع. وستصدر المفوضية الأوروبية في منتصف تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل نتائج تحليل مشاريع الموازنة لكل من دول منطقة اليورو، وإذا لاحظت عدم استجابة مشروع الموازنة للتوصيات المحددة أو عدم ضمان تنفيذ إجراءات التصحيح، فإن صلاحياتها الجديدة تمكنها من مطالبة الحكومة المعنية باتخاذ إجراءات خفض العجز.