أكد الناطق الرسمي باسم المفوضية الأوروبية للشؤون المالية والاقتصادية سيمون أوكونور ان منطقة اليورو بدأت ترى النور في نهاية النفق وتستعيد النمو تدريجاً، لكنها لا تزال تجتاز الأزمة ما دامت البطالة مرتفعة إلى معدلات غير مسبوقة. وقال في مقابلة أجرتها معه «الحياة» ان لا بديل عن تنفيذ خطط التقشف بالكامل على رغم قساوتها لأن تصحيح الموازنات وخفض الديون السيادية شرطان لاستعادة ثقة المستثمرين وأسواق المال، مشيراً إلى ان القوانين وآليات المراقبة الجديدة ستحول دون تجدد أزمة النظام المصرفي الأوروبي وأن منطقة اليورو تمكنت خلال الأزمة من تعزيز وحدتها فأصبحت غير قابلة للتفاوض أو الإبطال. وفي ما يأتي نص الحوار: هل بدأت منطقة اليورو تبصر النور في نهاية نفق الأزمة التي بدأت في 2008؟ - بدأت منطقة اليورو تخرج من الركود إذ تشير مؤشرات الاستقرار المالي وتوقعات النمو الفصلية في الربيع إلى العودة التدرجية إلى النمو في النصف الثاني من العام وارتفاع وتيرته في 2014. ولم تكن الأزمة من الأزمات الدورية بل نجمت عن تراكم حالات العجز العام والديون، سواء الديون الخاصة في إرلندا أو إسبانيا أو الديون العامة في اليونان، إضافة إلى اختلال التوازنات المالية الكبرى في منطقة اليورو ككل لفترة طويلة من دون مراقبة. ولم نتمكن من ممارسة المراقبة لأننا كنا نفتقد الآليات الضرورية لتنسيق السياسات الاقتصادية التي يقتضيها الاتحاد النقدي. ومنذ تفجر الأزمة، خصوصاً منذ بدء أزمة الديون السيادية، طبقنا ترسانة من الإجراءات لمعالجة أسباب الأزمة المالية من خلال تعزيز الحوكمة الاقتصادية، خصوصاً في منطقة اليورو، وأنشأنا أدوات متخصصة لمراقبة الموازنات العامة للدول الأعضاء ودفع الإصلاحات نحو خفض العجز والديون والتحكم في مستوياتها. وتقتضي الأنظمة الجديدة أيضاً تسليط غرامات مالية وعقوبات ضد الدول التي لا تتقيد بتنفيذ الإصلاحات المتفق عليها وتعرض حوافز على الحكومات التي تبذل جهوداً خاصة من أجل تحقيق أهداف الحوكمة الاقتصادية والمالية. وأنشأنا آليات متخصصة في دعم تنافسية المؤسسات الأوروبية وإدخال مزيد من المرونة في سوق العمل. ووُضعت هياكل متخصصة لمراقبة النظام المصرفي وأسواق المال لتفادي الأخطاء الفادحة التي ارتكبتها مصارف كثيرة في العقد الماضي. ويُوضع الآن نظام مراقبة المصارف في المستقبل لرصد الصعوبات الهيكلية التي قد تواجه بعض المؤسسات المالية، والتدخل العاجل من خلال أدوات متخصصة قبل انتقال الصعوبات إلى النظام المصرفي. هل تعني ان منطقة اليورو تجاوزت الأسوأ؟ - نعم، تجاوزت منطقة اليورو الأسوأ، لكن الأزمة مستمرة ما دامت معدلات البطالة مرتفعة وتبلغ مستويات قياسية في بعض البلدان. لا نقول إننا تجاوزنا الأزمة، وإنما نرى مؤشرات الاستقرار الذي سيتعزز بمقدار تمسك حكومات دول الاتحاد بشروط التقشف والتحكم في العجز. ونعمل في الوقت ذاته على وضع آليات الاتحاد المصرفي. كل الآليات مجتمعة ستمكننا من استعادة النمو. ماذا يقدم الاتحاد المصرفي إلى المصارف الأوروبية؟ - يقدم الاتحاد المصرفي العديد من المزايا إلى النظام المصرفي لأنه يقدّم آلية أو أداة للمراقبة تُبنى حول المصرف المركزي الأوروبي. ونبحث الآن في اقتراح قدمته المفوضية حول آلية للحل، وتتوافر لدينا إمكانية قيام آلية الاستقرار الأوروبي بدور في إعادة رسملة المصارف بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على غرار ما جرى في إسبانيا. وطبقنا اتفاق «بازل 3» وفق شروط الرسملة في القوانين الأوروبية. ويضمن مختلف الآليات والأدوات القائمة والقوانين الجارية مزيداً من الرقابة عن كثب على المصارف في السوق الأوروبية ودق جرس الإنذار إذا رُصِد نقص في السيولة لدى مؤسسة مصرفية أو أكثر والتدخل لمعالجة الأزمة من دون تأخر. وتعزز هذه الإجراءات صدقية النظام المصرفي الأوروبي. وتجري المراقبة بصفة مركزة في المصرف المركزي الأوروبي والتثبت من ألا تصطدم إجراءات المراقبة مع بعض السياسات المحلية. وكلما يتدخل الاتحاد المصرفي مبكراً لعلاج نقص في إحدى المؤسسات المصرفية، يضمن سلامة النظام المصرفي ككل ويحصن مصالح دافعي الضرائب الأوروبيين. الاتحاد المصرفي هل سيشتري الاتحاد المصرفي أصول الديون السيادية؟ - تحظر معاهدة الاتحاد الأوروبي على المصرف المركزي الأوروبي والمصارف المركزية شراء سندات الديون السيادية في الأسواق الأولية. وكان رئيس المصرف المركزي ماريو دراغي أعلن إمكانية ان يتم ذلك في الأسواق الثانوية (البورصات) بشرط التزام الدولة المستفيدة تنفيذ الإصلاحات التي تقتضيها آلية الاستقرار المالي. وبرزت نتائج قيام الآليات الجديدة في منطقة اليورو إذ تمكنت إسبانيا وإيطاليا من العودة إلى أسواق المال والاقتراض منها بأسعار مقبولة، بعدما بلغت الأسعار مستويات قياسية العام الماضي. ونلاحظ أن صدقية الدول التي سلكت خطط تقشف حازمة تعززت، وبقي الآن ان نستعيد تدفق القروض والاستثمارات، خصوصاً لصالح المؤسسات الصغرى والمتوسطة، خصوصاً في جنوب أوروبا، إذ لا تزال ثمة تحفظات من المستثمرين عن النشاط هناك. *كيف يمكن للمصرف المركزي الأوروبي الفصل بين مهمة مراقبة السياسة النقدية واستقرار الأسعار، وفق مقتضيات المعاهدة، وإدارة الاتحاد المصرفي الذي يهدف إلى مراقبة المصارف والتدخل عند الاقتضاء؟ - تكفل المعاهدة الأوروبية استقلال المصرف المركزي في القيام بمهماته. ونعتقد ان تحركه في الأسواق الثانوية يتناسب مع مقتضيات المعاهدة. قبل السؤال عن وضع اليونان، تُطبَّق إصلاحات في إرلندا فيما الوضع صعب للغاية في البرتغال. لماذا تبدو الأخيرة عاجزة عن تصحيح وضعها؟ - يختلف الوضع من بلد إلى آخر فلكل دولة خصوصياتها والصعوبات والتحديات والبرامج التي توضع لمواجهتها. وتُنفَّذ برامج الإصلاحات في البلدين ولا يزال كل منهما يواجه تحديات يجب مواجهتها في الأشهر المقبلة. ومقرر ان تنتهي برامج الإصلاحات الانتقالية في إرلندا في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. وأظهرت الإحصاءات تحسناً في أداء الاقتصاد وإيجاد وظائف وتحسناً في مستوى الاستهلاك الداخلي، وهي مؤشرات ايجابية مكنت الحكومة من التوجه بطلب إلى الآليات المالية الأوروبية المقرضة لتمديد آجال التسديد حتى تتمكن لاحقاً من العودة إلى أسواق المال في وضع أفضل. أما الوضع في البرتغال فيبدو أكثر تعقيداً لأن الركود متواصل فيما البطالة في ارتفاع إضافة إلى معاناة الاقتصاد البرتغالي ضعف التنافسية. وتعمل حكومة لشبونة على تنفيذ خطة تقشف في ظل أزمة بطالة، وتحاول جذب الاستثمارات. ونجحت إلى حد ما إذ لاحظنا تحسناً في مستوى التصدير. وثمة أيضاً مؤشرات ايجابية في إسبانيا وإيطاليا لجهة الضغط على العجز العام. وننصح بمواصلة تنفيذ الإصلاحات على رغم قسوة إجراءات التقشف. هل تعاني إسبانيا ضعف التنافسية؟ - دخلت إسبانيا أزمة خطيرة إثر تفجر فقاعة القطاع العقاري وما ترتب عليها من تداعيات خطيرة في سوق العمل وقطاعات أخرى كثيرة. وتواجه الحكومة الإسبانية الوضع بكل حزم وأعدت برامج إصلاحية بُدِئ في تنفيذها، وتراقب المفوضية الوضع عموماً وعن كثب. لكننا متفائلون نسبياً لأن أسس تنافسية اقتصاد إسبانيا تحسنت في شكل ملحوظ ونتوقع عودة النمو تدريجاً وإيجاد فرص عمل في النصف الثاني من العام. اليونان تحول وضع اليونان إلى مأساة إغريقية إذ خُفِض عدد العاملين في القطاع العام وخُفِضت الرواتب ومعاشات التقاعد حتى أصبح البعض عاجزاً عن الحصول على العلاج. لماذا تفرضون على اليونان تنفيذ شروط قاسية في فترة وجيزة؟ - تواجه اليونان منذ بداية 2010 أزمة غير مسبوقة جراء ارتفاع الديون السيادية نتيجة الإفراط في الإنفاق العام، وانعدام الجدوى في الإنفاق، وضعف القدرة المؤسسية للدولة، وأخيراً تزوير الإحصاءات. كل ذلك نسف صدقية اليونان بالكامل فقاطعتها أسواق المال وعجزت عن الاقتراض بينما عانت عجزاً كبيراً بلغ 16 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي نهاية 2009 وبلغت ديونها مستويات قياسية لا تُطاق. ولم يتوافر أمامها من خيار سوى اتخاذ إجراءات التقشف بأمل خفض العجز العام ومواجهة الأسباب الهيكلية التي أعاقت الاقتصاد ومنها قوانين سوق العمل، والإجراءات الحمائية التي أعاقت التنافس وأدت إلى ارتفاع الأسعار. ووقعت اليونان في دوامة الإنفاق العام وانعدام الجدوى. ولم يكن من مجال للمناورة أو التأخر عن مواجهة المسببات الحقيقية لهذه الأزمة غير المسبوقة. وهذا هو ما يهدف إلى تصحيحه البرنامجان الإصلاحيان الأول والثاني، لكن في ظل ظروف اجتماعية صعبة للغاية. لكن ذلك هو شرط تصحيح أوضاع الموازنة واستعادة الصدقية أمام المستثمرين. إلا ان حجم العجز والصعوبات الهيكلية للقطاع العام يجعل الإصلاح تحدياً كبيراً. لكن لا مفر من القيام بذلك. وأمام عزوف أسواق المال، وجدت اليونان التضامن من جانب الشركاء في الاتحاد الأوروبي من خلال المساعدات المالية الكبيرة التي قدمتها آلية الاستقرار الأوروبية والمصرف الأوروبي للاستثمار وصندوق النقد الدولي. وحصلت اليونان على 240 بليون يورو يجري تحويلها على مراحل، بعد تقويمات دقيقة لتنفيذ الالتزامات في الميدان. ومن دون تدخل الشركاء الأوروبيين وصندوق النقد، كانت اليونان ستجد ذاتها مضطرة للخروج من منطقة اليورو بما ستترتب عن ذلك، لو حصل، من عواقب كارثية. لا يجادل أحد حول شروط خفض العجز وفق شروط المعاهدة الأوروبية، لكن لماذا لا تستطيع حكومات الدول التي تواجه صعوبات مالية تنفيذ خطة التقشف في شكل تدرجي حتى توفر على الضعفاء معاناة شديدة؟ - كان لا بد من اتخاذ القرارات الصعبة في مقابل وقوف الاتحاد وصندوق النقد إلى جانب هذه الدول من أجل خفض العجز العام وتخفيف حدة الديون السيادية. ونلاحظ استعادة الثقة في السياسات الضريبية لدول الاتحاد. ووافقت المفوضية العام الماضي على تمديد أجل التخفيضات للبرتغال وإسبانيا واليونان وكذلك لفرنسا وهولندا. ونتيجة للسياسات الضريبية الجارية سينخفض مستوى العجز العام في منطقة اليورو بمستوى النصف مقارنة بمعدل العام الماضي. ومع ذلك، تؤكد المفوضية انجاز خطة التقشف بالكامل لأن هامش المناورة منعدم في العديد من الموازنات العامة. والأكيد ان منطقة اليورو في طور استعادة صدقية أسواق المال والمستثمرين. نهاية الأزمة متى تنتهي الأزمة وإلى متى ستظل الشعوب تدفع فواتير الأزمة؟ - نحن لا نتوهم حجم الأزمة والكلفة العالية التي يسددها الاقتصاد والشعوب الأوروبية. فالبطالة بلغت مستويات غير مقبولة (12 في المئة)، ويمثّل خفضها أولوية الأولويات. وتعلمنا من الأزمة المالية والاقتصادية كثيراً من الدروس ووضعنا ترسانة الإصلاحات والآليات الضرورية للمراقبة حتى لا يتكرر انفلات أسواق المال والمصارف ولا نواجه أوضاع السنوات الأخيرة. تعرض اليورو للخطر خلال الأزمة المالية وجرى البحث في سيناريو تفككه. هل سيُعَد اليورو دائماً عملة دولية قوية يمكن أن تكون ملاذاً للمستثمرين بعدما فقد كثيراً من هيبته؟ - واحد من الجوانب الأكثر ضرراً خلال أزمة اليونان، تمثل في سيناريو خروج اليونان من العملة الواحدة لأنه يعني ان البلاد ستتراجع عن الإصلاحات وتعدل عن خطة تخصيص المؤسسات العامة فتهرب رؤوس الأموال إلى الخارج. لكننا تجاوزنا الجدل وترسخت القناعة بأن وحدة منطقة اليورو ليست قابلة للتفاوض، بل إنها ستحتضن أعضاء جدداً إذ ستنخرط لاتفيا في 2014 وربما ليتوانيا في 2015. واقتنع المستثمرون بجدوى برامج الإصلاح وبصلابة الموقف الجماعي حول وحدة منطقة اليورو، وهو أمر لا يقبل التفاوض أو التراجع. تُعد أوروبا من أهم محركات الاقتصاد العالمي، لكن الاقتصاد معطوب اليوم ويؤثر سلباً في جيران الاتحاد. هل يمكن للقوى الاقتصادية الناشئة أن تكون بديلاً عن أوروبا كمحرك للاقتصاد العالمي إلى جانب الولاياتالمتحدة؟ - الاقتصاد الأوروبي ليس معطوباً، وهناك ديناميكية جديدة لأن يكون الاقتصاد ذا تنافسية عالية ومولّداً لفرص العمل. وليس صعود الاقتصادات الناشئة في آسيا وأوروبا تهديداً لأوروبا وإنما فرصة لزيادة التعاون. ويستفيد العديد من الدول الأوروبية من نمو المناطق الأخرى إذ ارتفعت الصادرات والاستثمارات الأوروبية في الصين وغيرها من الأسواق الناشئة. ويجري الاتحاد مفاوضات مع العديد من الشركاء في العالم ومنهم الولاياتالمتحدة التي انطلقت معها مفاوضات على اتفاق طموح للتبادل التجاري الحر. ويصح الأمر ذاته على علاقاتنا مع الدول المجاورة.