وسط أعداد الحجيج يوجد من سخر كل إمكاناته لخدمة ضيوف الرحمن وسط قطاعات مختلفة بتنوع مهامها، من بينهم عامل النظافة في مشعر منى نصر الدين محمد ذو ال 36 عاماً والذي قدم من وسط العاصمة البنغلاديشية «دكا» إلى الثغر الغربي للمملكة العربية السعودية جدة قبل خمسة أعوام، طلباً للمعيشة وبحثاً عن الرزق. في الثامنة صباحاً ترن ساعة العمل لنصر الدين ورفاقه ليتسلموا من نظرائهم ورديتهم وتستمر النظافة بسواعدهم حتى السادسة مساء، وتبقى العملية مستمرة منذ بداية اليوم الثامن «يوم التروية» وحتى نهاية يوم 17 من ذي الحجة، إذ يتم التخلص من مفضلات المشاعر كاملة التي كان بها الحجاج. ومن المفارقة العجيبة أن شهد نصر الدين شعيرة الحج مرتين دون أن يؤديها، مرجعاً ذلك إلى ظروف عمله التي حتمت عليه البقاء 10 ساعات ينظف الطرقات من مخلفات الحجاج، وبراتب 1200 ريال يعينه على مصارعة متغيرات العيش ويكفيه مسألة الناس، مبيناً أن كلفة الحج تبلغ ال10 آلاف ريال الذي يُعد ذلك المبلغ مرتفعاً جداً مقابل الدخل الفردي في بنغلاديش. نصر الدين الذي لم يتزوج حتى الآن يرى في حديثه إلى «الحياة» أن مسألة حجه باتت قريبة وأن بلوغ حلمه لم يعد بعيداً إذ ادخر مبلغاً من المال ليرجع به إلى دكا، مصطحباً معه والدته في رحلة الحج، إذ إن والدته لم يسبق لها الحج وقد بلغت العقد السادس من عمرها. في مشعر منى عند محطة القطار الثانية الأكثر ازدحاماً يكون نصر الدين يعمل في منطقته المخصصة له مع مجموعة من رفقائه العاملين من البلد نفسه، إذ لا يجيد معظمهم التحدث باللغة العربية وليس هناك من صاحب سوى «المقشة» التي تعينه على تجميع القمامة ومن ثم رميها في الحاويات الكبيرة المخصصة من أمانة العاصمة المقدسة. ويوضح نصر الدين أن آلية الانتداب للمشاعر المقدسة لا تكون إلا للمميزين من العمال، وأنه في كل عام يسعى للالتزام في عمله لتحصيل التقدير السنوي في أدائه «ممتاز» حتى يتمكن من الخدمة في منى التي يسكنها في هذه الأيام أكثر التجمعات في العالم، وتحصيل المبلغ الذي يسهل له الزواج وأداء فريضة الحج في العام المقبل مع والدته.