بالقرب من الجمرات بمشعر منى، قدم حاج أفغاني مر بمراحل فكرية وحركية عدة، بدأت بإلتحاقه بصفوف لواء الحزب الإسلامي بقيادة حكمتيار إبان الغزو السوفياتي لبلده في نهاية السبعينات من القرن الماضي، ومن ثم تنقل إلى باكستان ليدرس العقيدة السلفية، وانخراطه في صفوف طالبان كقائد ميداني شمال البلاد لقتال الجنود الأميركيين، ومروره بتنظيم القاعدة في وزيرستان ولقائه بالرجل الثاني في التنظيم أبي يحيى الليبي، حتى يستقر في قرية يبني المدارس وينشد السلام. تنقلات فكرية عدة في حياة الحاج الأفغاني مولوي شمس الدين (39 عاماً) دفعته أخيراً للحج بعد أن تلقى دعوة من الحكومة السعودية، فشكر الله على وصوله إلى محطته الأخيرة، والتي يعدها طريق النجاة والتقدم بأمته التي تعاني الحرب والانقسام المجتمعي منذ ما يزيد على 40 عاماً. ويوضح مولوي الذي قدم من محافظة بذخشان الحدودية شمال أفغانستان، أن قصة انخراطه في الحروب الأفغانية بدأت من عام 1979، حين اجتاحت قوات سوفياتية الأراضي الأفغانية، واستمر في الحرب حتى نهايتها بعد 10 أعوام، تحت لواء الحزب الإسلامي لحكمتيار، مشيراً إلى أنه اصطدم بالواقع العقدي الذي يحمل الحزب «جماعة حكمتيار معادية للسفلية، كانوا يكفرونهم ويستبيحون دماءهم، لم أستطع تحمل ذلك». ويستطرد قائلا: «هاجرت إلى باكستان في بداية تسعينات القرن الماضي بعد أن وضعت الحرب أوزارها، لأدرس الشريعة في أجواء هادئة غير مشحونة، حملت عقيدة السلفية وفهمتها ومن ثم انفصلت عن لواء الحزب الإسلامي، لكرههم غير المبرر للسلفيين». وانتقل مولوي بعد الهجوم الأميركي على أفغانستان في 2001، لصفوف حركة طالبان ليعين قائداً ميدانياً في منطقة بذخشان الشمالية، ويستمر في عمله لسبعة أعوام، بيد أن الثلاثيني الذي لم ير سوى الحروب والجبهات، ويؤكد مولوي صدمته بالواقع العقدي الذي يحمله مقاتلو الحركة المعادية وللسلفيين، وخرج بعد صدام عنيف مع قادته الميدانيين، ليستقر في منطقة وزير ستان القبلية وينخرط في صفوف تنظيم القاعدة الإرهابي. ويؤكد مولوي شمس الدين لقاءه قبل عامين الرجل الثاني في تنظيم القاعدة أبا يحيى الليبي والذي قتل بغارة لطائرة دون طيار في منطقة وزيرستان الحدودية، واصفاً الرجل الليبي الذي رصدت الولاياتالمتحدة الأميركية مليون دولار سابقاً مكافأة لمن يعثر عليه، قائلاً «أبو يحيى الليبي رجل هادئ لا يتحدث كثيراً، هو ملهم للمقاتلين في صفوف التنظيم، قدمت إليه لأدرس الشريعة وأطور فنون القتال، كان يظهر بأنه سلفي العقيدة، لكنه عكس ذلك، إنه متعصب لأفكاره ويكفر عدداً كبيراً من مخالفيه، ويستبيح دماءهم». ويتابع: «مكثت في وزيرستان شهراً، ولم أقتنع بفكر تنظيم القاعدة، فكرهم يعتمد على التضليل بالشعارات الحماسية، إضافة إلى كونهم متطرفين ويتعاملون بقسوة مع من يخالفهم، لم أستطع العيش بينهم لأكثر من 30 يوماً، فالتنظيم متطرف وجماعة طالبان يعانون من عقيدة ملوثة مليئة بالخرافات». وقبل عام أيقن الحاج مولوي الذي لم يتزوج لانشغاله بالمعارك والحروب أن رحلته الطويلة في صفوف المقاتلين والجبهات، بحاجة إلى تفكر وتأمل حول قضية السلام، فاتجه إلى الحكومة الأفغانية ليشترط عليهم بناء مدارس في منطقة، قائلاً «أيقنت أخيراً أن الاستثمار الحقيقي في مواجهة الأعداء هو في التعليم، أريد أن أدعو الناس في فضاء السلام لنتحد ونترك الخلافات جانباً، أفغانستان لم تهدأ من الحروب منذ أكثر من 40 عاماً، سأعمل في الدعوة على العقيدة السلفية».