أصدر صندوق النقدي الدولي أواخر أيلول (سبتمبر) الماضي، تقريراً عن الاقتصاد الكويتي سجل فيه الملاحظات الموضوعية عن حال الاقتصاد والنقاط الإيجابية ومظاهر الضعف فيه. وأشار إلى أن ارتفاع أسعار النفط أدى إلى تحقيق فائض في الموازنة العامة وفي الحساب الجاري للبلاد. وأشار إلى أن الفائض ظل مرتفعاً وأصبح يعادل 33 في المئة من الناتج عام 2012، على رغم ارتفاع مخصصات الإنفاق الجاري. وأفاد وزير المال أخيراً، بأن الموازنة حققت فائضاً في السنة المالية 2012 - 2013 يعادل 12.7 بليون دينار. ويمكن أن نعزو هذا الفائض لارتفاع أسعار النفط مستوى الإنتاج إلى نحو ثلاثة ملايين برميل يومياً، وهو يقترب من طاقته القصوى. وبلغ الحساب الجاري عام 2012، 79.8 بليون دولار في حين يقدر أن يصل إلى 72.1 هذه السنة. هذه المؤشرات تؤكد متانة الأوضاع المالية للكويت وتعزز قدرتها على مواجهة التزاماتها المحلية والأجنبية ورفع مستوى الاحتياطات المالية، وتزيد قيمة الأصول التي تمتلكها الكويت خارج الحدود. وعمدت الحكومة خلال السنتين الماضيتين إلى رفع نسبة الاقتطاع من الإيرادات لمصلحة صندوق الأجيال المقبلة، من 10 إلى 25 في المئة من إجمالي الإيرادات الحكومية. وإذا كان أداء القطاع النفطي قوياً ومهماً فإن القطاعات غير النفطية تمكنت من تحسين أدائها، إذ أشار التقرير إلى ارتفاع معدل النمو لهذه القطاعات من 0.9 في المئة عام 2009 إلى 2.2 في 2012. ويتوقع أن يتحسن معدل النمو في القطاعات غير النفطية هذه السنة إلى 3.3 في المئة وربما يرتفع إلى 4.4 في المئة عام 2014. وبعد قيام بنك الكويت المركزي بخفض سعر الخصم إلى 2.0 في المئة، فإن إمكانات تحسين مستوى استدانة القطاعات غير النفطية تصبح معقولة ومن ثم تتوافر فرص للتوسع الاستثماري لأنشطة اقتصادية عدة. وأظهر تقرير صندوق النقد أن الائتمان المصرفي ارتفع في حزيران (يونيو) الماضي بمعدل سنوي قدره 6.3 في المئة. وتتوافر لدى المصارف المحلية سيولة مهمة، ففي نهاية آب (أغسطس) الماضي بلغت قيمة الإيداعات 34.6 بليون دينار (121.4 بليون دولار)، منها 29.8 بليون للقطاع الخاص و 4.8 بليون للحكومة ومؤسسات القطاع العام. لكن هذه الأموال وظف منها 28.2 بليون دينار في تمويلات لمختلف القطاعات الاقتصادية، ما يؤكد أن التمويلات تظل أقل من الإمكانات المالية المتاحة لدى المصارف. لذلك تظل إمكانات خفض سعر الخصم واردة. لا قلق إذاً بالنسبة للأوضاع المالية، فهل الأوضاع الاقتصادية الكلية تثير الارتياح والاطمئنان؟ إن توافر الأموال وتحسن أداء القطاعات غير النفطية، إلى حد ما، ومتانة النظام المصرفي، يجب ألا تدفع المسؤولين في الكويت إلى الاسترخاء وتفادي اتخاذ القرارات المهمة والصعبة. ويلاحظ في الإنفاق العام، تقدم الإنفاق الجاري على الإنفاق الرأسمالي، وحتى المخصصات للإنفاق الرأسمالي لا تنفق كلياً بسبب المشكلات البيروقراطية والعجز في أعمال التنفيذ، وقبل ذلك تباطؤ اتخاذ القرار في كل المستويات الإدارية. وهكذا تعطلت المشاريع المعتمدة في الخطة التنموية 2010-2011 إلى 2013-2014، وبات المشروع الذي يفترض أن ينجز خلال سنتين يتطلب زمناً خمس سنوات، ناهيك، عن ارتفاع التكاليف الرأسمالية. ويظل القطاع الخاص مغيباً عن هذه المشاريع التنموية. ومشاريع التنمية تتصل بمشاريع البنية التحتية والمرافق مثل الكهرباء والمياه والاتصالات والنقل والتعليم والرعاية الصحية. وتشير الخطة إلى أن القطاع الخاص سيتولى إنجاز عدد من المشاريع ويتملكها لكن القوانين السارية عطلت دوره في مشاريع الإسكان والمرافق والنفط وغيرها من مشاريع حيوية. كما أن الخطة التي أكدت أهمية رفع مساهمة القطاع الخاص في الناتح المحلي، لم تحقق النتائج المرجوة حتى الآن، على مشارف نهاية مهلتها الزمنية. التنمية البشرية اذاً ما زالت بعيدة عن معطيات التنمية المستدامة في بلد لا يزال يعتمد على يد عاملة وافدة تشكل 84 في المئة من عددها الإجمالي في البلاد. وخلال السنوات الماضية، وهي سنوات الخطة، تبنت الحكومة بضغوط من أعضاء مجلس الأمة، سياسات رفع الرواتب والميزات في مؤسسات الحكومة والقطاع العام، ما عطل انخراط العمالة الوطنية. في شركات ومؤسسات القطاع الخاص. وغني عن البيان أن التوظيف في القطاع العام أصبح عبئاً مهماً على الدولة، ليس فقط مالياً بل هناك أعباء اقتصادية أساسية وتبعات اجتماعية حيث ترتفع معدلات البطالة المقنعة في مختلف هذه المؤسسات وتتراجع قدرات الارتقاء بالإنتاجية بين العاملين من المواطنين. وفشلت سياسة دعم العمالة في القطاع الخاص في رفع نسبة العمالة الوطنية فيه بعد زيادات الرواتب في القطاع العام. وإذا كان عنصر الرواتب والأجور مهماً لتحديد وجهة المواطنين في سوق العمل، فإن الأنظمة التعليمية لا تزال عاجزة عن توفير يد عاملة ماهرة تتطلبها منشآت القطاع الخاص. وفي هذا المضمار أشار تقرير صندوق النقد إلى ضرورة تعزيز جودة التعليم والتدريب المهني ودعم الجهود الهادفة إلى انخراط النساء في سوق العمل. وبموجب التقارير هناك حوالى عشرين ألف كويتي يدخلون سوق العمل للمرة الأولى سنوياً، ويعني ذلك تبني مفاهيم جديدة للتوظيف وتحسين شروط العمل وتوسيع عمليات التخصيص بما يزيد من مساحة عمل القطاع الخاص. أن ما تشير إليه التقارير عن الأوضاع المالية المريحة، على رغم أهميته، لا يقلص التشوهات البنيوية التي تعتبر معالجتها ضرورية. * كاتب متخصص بالشؤون الاقتصادية - الكويت