عصبية الشباب واندفاعهم يراها البعض ظاهرة طبيعية في هذه الفترة العمرية، وقد يكون ذلك صحيحاً، ولكن العصبية إذا زادت على حدها فلا بد من التعامل معها على أنها ليست ظاهرة طبيعية على الإطلاق، بل ظاهرة تحتاج إلى تعامل خاص يتيح من خلاله للشباب العصبي الإقلاع عن تلك العصبية أو تحجيمها على الأقل، والشباب العصبي المزاج نراهم حادي الطباع، يتصرفون من خلال عصبيتهم معاندين، يريدون أن يحققوا مطالبهم بالقوة والعنف الزائد، لا يعتمدون على أنفسهم في معظم الأحوال، حركتهم دائمة، متوترين، وهذا التوتر يسبب إزعاجاً كبيراً للمحيطين بهم. ولعصبية الشباب أسباب كثيرة، منها أسباب نتيجة التكوين الموروث في الشخصية، وفي هذه الحالة يكون أحد الوالدين عصبياً فعلاً، ومنها أسباب بيئية مثل نشأة هؤلاء الشباب في جو تربوي مشحون بالعصبية والسلوك المشاكس الغضوب. ويمكن القول للوالدين ولكل المتعاملين مع الشباب من الجنسين إن الحديث مع الشباب بفظاظة وعدوانية، والتصرف معهم بعنف، يؤدي بهؤلاء الشباب إلى أن يتصرفوا ويتكلموا بالطريقة نفسها، بل قد يتمادوا للأشد منها تأثيراً، فالشباب يتعلمون العصبية في معظم الحالات من الوالدين أو المحيطين بهم. كما أن تشدد الأهل مع الشباب بشكل مفرط، ومطالبتهم بما يفوق طاقاتهم وقدراتهم من التصرفات والسلوكيات، يجعل الشباب عاجزاً عن الاستجابة لتلك الطلبات، والنتيجة إحساس هؤلاء الشباب بأن عدواناً يُمارس عليهم، يؤدي إلى توترهم وعصبيتهم، ويدفعهم إلى عدوانية السلوك الذي يعبرون عنه في صورته الأولية بالعصبية، فالتشدد المفرط هذا يحول الشباب إلى عصبيين متمردين ثائرين. وكما أن التساهل معهم يقود إلى العصبية والعدوانية أيضاً، فالشباب المدلل بإفراط يشعرون بأنهم محور الكون، ويغالون في قيمة أنفسهم؛ لأن الوالدين لا يتيحان لهم فرصة استكشاف الواقع ومتطلباته، والدليل على ذلك أن رغبات الشباب المدلل أوامر، وبالتالي يكونون غير قادرين على احتمال أي إحباط أو فشل يواجههم في حياتهم، سواء في المدرسة أو الجامعة أو في المحيط الأسري، وعند أول مواجهة يشعرون بأنهم مضطهدون ومظلومون من الآخرين، وأن الآخرين يحقدون عليهم، وهو إحساس وشعور يثير عدوانيتهم ويدفعهم إلى السلوك العصبي مع الآخرين، وهذا ليس مقصوراً على الآخرين، وعندما يشعر الأهل بأنهم لم يعد بوسعهم تلبية متطلباتهم، فإن الفجوة تزداد بين الأبناء وذويهم، ويبدأ الصراع بين الشباب والأهل في صورة عصبية وسلوك عدواني. ويلعب التفكك الأسرى دوراً رئيساً في عصبية الشباب، فالشاب أو الشابة يشعران بسرعة بهذا التفكك حتى لو حاول الوالدان أن يخفياه، وهذا التفكك يثير لدى الشباب قلقاً نفسياً شديداً يعود إلى إحساسهم بصعوبة التوفيق بين حبهم لطرف وحبهم للطرف الآخر، وإلى أي الأطراف ينحازون.. فهذا القلق يؤدي إلى ردود فعل عدوانية قد تتخذ العصبية شكلاً لها. إن مفاتيح التعامل مع عصبية الشباب هي: الأمان، والحب، والعدل، والاستقلالية، والحزم، فلا بد للشباب من الشعور بالأمان في المنزل، الأمان من مخاوف التفكك الأسري، والأمان من الفشل في الدراسة، والأمر الآخر هو الحب، فكلما زاد الحب للأبناء زادت فرصة التفاهم معهم، فيجب ألا نركز في حديثنا معهم على التهديد والعقاب. والنقطة الثالثة هي العدل في التعامل مع الأبناء، فالسلوك التفاضلي نحو الأبناء يوجد أرضاً خصبة للعصبية. والمفتاح الرابع هو الاستقلالية، فلا بد من تخفيف السلطة الأبوية عن الأبناء وإعطائهم الثقة بأنفسهم بدرجة أكبر مع المراقبة والمتابعة عن بعد، فشعور الاستقلالية شعور محبب لدى الأبناء، خصوصاً في هذه السن، أما المفتاح الأخير فهو الحزم فيجب ألا يترك الشاب لفعل ما يريد بالطريقة التي يريدها وفي الوقت الذي يريده، وإنما يجب أن يعي أن له حقوق وعليه واجبات، وأن للآخرين حريات يجب أن يحترمها. وإليك بعض الخطوات العملية: - جلسة المصارحة والمناصحة: تعقد هذه الجلسة مع الابن ويفضل أن تكون بوجود الوالدين يتم فيها مصارحة الابن بأن هذا السلوك غير مرغوب فيه، وأنه أمر مقلق للأسرة جميعها، ويطلب منه ذكر أسباب سلوكه بهذه الطريقة وتذكيره بأنه لم يكن كذلك في السابق، وأنه إذا كانت هناك أسباب حقيقية فنحن على استعداد للتعاون في التعامل معها، ثم تكون المناصحة، وذلك بتوضيح السلوك المرغوب فيه تجاه الوالدين وتجاه الأخوات، مع تأكيد قيمة ودور الابن المنتظر منه في المستقبل، حتى يشعر بالحب والأمان والقيمة، ثم يتم عقد اتفاق بين الوالدين والابن على حسن السيرة والسلوك. - جلسة تهيئة البيئة: وتكون هذه الجلسة مع الأبناء الآخرين وذلك لتأكيد الحب للابن والتنبيه على الأبناء بضرورة مراعاة مشاعر الابن، وعدم محاولة إثارته؛ لأن الأمر لا يخلو أحياناً من الإثارة المتعمدة، من بعض الإخوة للابن العصبي، وهذا سيساعد على تهيئة جو أفضل لتخلص الابن من العصبية. - فترة المراقبة: وتكون فترة لاختبار الابن لمدى محاولته الالتزام بالاتفاق الذي تم، ومدى التزام بقية الإخوة، ويستخدم في هذه المرحلة أسلوب التعزيز الايجابي والسلبي، فإذا ظهرت عليه بوادر الالتزام، كان هناك تعزيز إيجابي، وإن لم يكن كان هناك تعزيز سلبي، ويُقصد به حرمانه من بعض الأشياء التي يحبها تدريجياً، ولا ينصح بالعقاب والضرب فإنه يزيد الأمور سوءاً. - جلسة المتابعة: وتكون هذه الجلسة بعد مرور فترة زمنية كافية «10 أيام إلى أسبوعين» يكون فيها التذكير والتشجيع والتأكيد، ومثل هذه الجلسة يمكن أن يقوم بها أحد الأبوين. وهكذا حتى يتخلص الابن من هذه الصفة تدريجيا، ويُنصح بالصبر والدعاء للابن بالهداية والنجاح، فللدعاء أثر كبير في إصلاح الأبناء. [email protected]