يلاحظ الروائي الصيني يو هوا أن الثورة الثقافية «الكبرى» قامت قبل أربعين عاماًَ في سبيل انقاذ المجتمع من أثر «البورجوازيين» والبورجوازية. واليوم، لا تنفك الهوة تتسع في الصين بين الفقراء والأثرياء، على رغم غلبة الفقر على معظم سكان البلد الذي ينزل اقتصاده المرتبة الثالثة حجماً، والمرتبة السابعة والسبعين دخلاً فردياً. ويقول يو هوا، وهو يعلق على صدور روايته «الأخوان» في الانكليزية، أنه شاهد في برنامج تلفزيوني المقدم يسأل ولداً من بكين عن أمنية حياته، والولد يجيب: أن تكون لي طائرة «بوينغ». وسأل المقدم نفسه السؤال على شابة من شمال الصين، فأجابت: أريد حذاءً رياضياً أبيض. وألهم الكاتب تردد الصينيين بين اجابات متطرفة من هذا النوع روايته. وهي تروي قصة أخوين غير شقيقين هما بالدي لي وسونغ غانغ. ويشق الأخوان طريقهما بين قسوة ستينات القرن الماضي وبين (بعض) رخاء العقد الأول من القرن الواحد والعشرين. ويمثّل الأخوان على طرفي نقيض اجتماعيين. ويشترك الأخوان في طفولة بائسة ببلدة متواضعة في ضاحية شنغهاي. وحوادث الهداية تحصل في أثناء «حقبة الاصلاحات»، غداة وفاة ماوتسي تونغ. وكان الشعار البارز «الإثراء فضيلة عظيمة». ويحرز المقاول بالدي، السليط اللسان والمستهتر، في الحقبة هذه نجاحاً سريعاً، بينما يتعثر سونغ غانغ، النزيه والمهذب، بمهن متواضعة وقليلة العائد. ونشر يو هوا روايته في جزءين، في 2005 و 2006. وبيعت ملايين النسخ من الرواية. وكرست صاحبها روائياً لامعاً وبارزاً بين أقرانه ومجايليه (وهو مولود في 1960)، بعد روايته الأولى «ارادة الحياة». وروايته الأولى تناولت حياة ملاك متوسط جرده عهد مؤسس الدولة الشيوعية من كل ما يملك، ما عدا ارادة الحياة. وهذا يشبه موضوعات عالجها كتّاب صينيون في المنفى من أمثال هاجين أوغاو شينغ جيان (حائز جائزة نوبل للآداب في 2004). وعلى خلاف هؤلاء، لم تحل الرقابة الصينية بين يو هوا وبين نشر كتبه. وربما السبب في تسامح الرقابة، وغضها النظر عن رواياته على رغم موضوعاته، إحجامه عن تناول حوادث بارزة مثل مجزرة تيان آن مين، الساحة البكينية التي قتل فيها الجيش الصيني نحو 3 آلاف طالب ومتظاهر في حزيران (يونيو) 1989. واهتمام الغرب بالمجزرة بعد انقضاء نحو عشرين عاماً عليها، ونسيان معظم الصينيين إياها، يفاجئ الروائي. وهو يقول إن الصينيين طووا الحادثة، وهم منصرفون الى تحسين أحوالهم، ولا يشذ المثقفون عن سائر الصينيين. وتعاصر بداية الرواية اجتياح الثورة الثقافية بلدة الأخوين، ليو. فتعبث عصابات الحرس الأحمر بالناس. ويشهر الحراس الحمر سكاكينهم وفؤوسهم على الناس من غير رادع، ويسفكون الدماء، ويلطخون بها أعمدة الكهرباء والجدران والشجر. وتتوفى والدتهما حين موت ماو ونهاية حقبة الجنون الثوري، و «رحيل الموتى وبقاء الأحياء على قيد الحياة»، على ما يكتب يو هوا. وفي مطلع الجزء الثاني يفترق الأخوان سعياً في الرزق والكسب. ويفوز بالدي في مضمار الكسب. ويتوسل الى غايته بالاحتيال والمراوغة. فمن حيله دعوته البنات الأبكار الى المنافسة على لقب «ملكة جمال العذارى»، وقلة من المرشحات أبكار فعلاً. ومنهن من ضاجعن حكّام المباراة. وبالدي نفسه أنزل اثنتين من المتباريات في المحل الأول والمحل الثالث لقاء مضاجعته الاثنتين. ويحكي هذا عن تفشي الفساد والكذب في صفوف المتسلقين والانتهازيين الذين فتحت «حقبة الاصلاحات» الأبواب بوجوههم على مصاريعها. وطعن بعض النقاد الصينيين في ما سموه «عبثية» الرواية. وهم يقصدون تفاصيل يصفها الروائي طويلاً. ومن التفاصيل هذه مراحيض مطلية بالذهب في منزل بالدي. ويرد يو بالقول إن أحد أصحابه هاتفه، بعد طباعة الرواية، وسأله عما إذا كانت مراحيض بالدي هي مراحيض منزله. وأنكر آخرون على الروائي قصة عملية جراحية يجريها سونغ غانغ للترويج لمرهم سام نسب مبتكروه له فضائل جمالية. ويرد الروائي بفضيحة الميلامين، الحليب الفاسد الذي اصاب آلاف الأطفال بأمراض متفرقة. ويتوقع يو هوا أن تنضج الاختبارات وعي الصينيين. ولعل رواياته من عوامل النضوج المرجو. * ناقد، عن «نيوزويك» الأميركية، 7/4/2009، إعداد وضاح شرارة