حسِب الصوماليون في مقديشو طوال أشهر في العام الماضي، أن ربيع مدينتهم حلّ، وحمل معه الوعد بالاستقرار والأمل. ففي 2011، انسحبت قوات «حركة الشباب» من المدينة. وخلت الشوارع من المقاتلين الملثمين المتطرفين دينياً. وانحسرت جولات القتال مع القوة الأفريقية، («أميسوم») المولجة مكافحة «الشباب». وتساءل كثر إذا كانت الحكومة ستفلح في بسط سلطة الدولة، بعد نحو عشرين سنة على اندثارها، وهل أحلاف القبائل ستتراجع امام الحكم المركزي. وبدا ان دوران عجلة الاعمال في مقديشو واعد. فأمكن الناس ان يقصدوا الشاطئ أو أن يجلسوا في مقهى رصيف ويلاحظوا ازدهار حركة العمران. وتفاءل كثر بنمو التجارة وعمل المصارف وقطاع الإتصال، وأغفلوا أن الصوماليين لم ينكفأوا في اعوام «الفوضى» عن العمل في هذه المجالات. وفي تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، انتهت 8 سنوات من مرحلة انتقالية، وبدأت تظهر معالم دولة فيديرالية، وينتظر ان تنظم انتخابات عامة في 2016. وثمة دعم دولي للصومال وراءه الخشية من عودة «الشباب» وإرسائهم إمارة تتحول ملاذاً آمناً للحركات الجهادية. وفي منتصف الشهر الماضي، أُبرِم في بروكسيل اتفاق يمنح الصومال 1.8 بليون يورو لمساعدة حكومته في الإعمار وبسط سلطتها على المناطق التي تتمركز فيها اليوم القوة الأفريقية وحلفاؤها. لكن حسبان ان «الشباب» اندثروا لم يكن في محله. فهذه الحركة الجهادية نزلت بها الهزائم في الأعوام السابقة في قتال قوات «أميسوم». والجنود الأفارقة الاوغنديون والبورونديون والجيبوتيون والسييراليونيون والكينيّون لا يتهيبون السقوط في المعارك ولا استخدام المدافع في الأحياء المدينية. ويمول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عمل «اميسوم»، ويزعمان رعاية حلول أفريقية لمشكلات القارة، ويوكلان إلى القوة الأفريقية مكافحة «الشباب» من غير أن يتكبدا خسائر بشرية. ويفترض ان تتسلم القوات الحكومية الصومالية زمام الأمور من القوات الأفريقية، لكن الجيش الوطني الصومالي طري العود وقوامه مجموعة من الفرق الضعيفة. ولا شك في أن «الشباب» عزفوا عن خوض المعارك المباشرة، لكن سيل هجماتهم غير المباشرة وغير المتناظرة لم ينقطع. فهم خسروا مئات من المقاتلين في المعارك البرية في مدن الصومال الرئيسية في الجنوب والوسط، لكنهم رصوا صفوفهم والتفوا حول زعيمهم احمد عبدي غودان. وفي الأشهر الماضية، تفاقمت وتيرة حملة الرعب «الشبابية»، وبلغت ذروتها في الهجوم القاتل على مركز تجاري في نيروبي في 21 ايلول (سبتمبر) الماضي. وفي المدن الصومالية، تضاعفت هجمات هذه الحركة بالقنابل والمتفجرات والاغتيالات مرتين منذ ، إذ تنفّذ عشرات الهجمات يومياً، لا تقف حركة «الشباب» وراءها كلها، لكنها تحتكر نحو 90 في المئة منها. ويعود بعض الهجمات الى خلافات قبلية وثارات رداً على الإقصاء من الحياة السياسية. ويرى مسؤول أمني ان «الشباب» تستهدف كل مظاهر الاستقرار والحياة العادية. وحركة المنظمة هذه يسيرة في المناطق الحكومية، وفي متناولها التنقل من غير قيود من العاصمة الى الشمال بين صومالاند وبونتلاند (أرض البنط). «ففي النهار تمسك الشرطة بمقاليد الأمور، وفي المساء، يعود الأمر الى الشباب»، يقول مقيم في هذه المنطقة. وشطر لا يستهان به من المناطق الريفية في الوسط الصومالي والجنوب، وضمنه 3 مرافئ، يقع في قبضة «حركة الشباب» التي لم تجف مصادر تمويلها بعد. فالمغتربون يسددون الضرائب، ومثلهم يفعل رجال اعمال وشركات الهاتف، والمنظمات غير الحكومية التي تخصهم ب 20 في المئة من موازنتها. استقرار الصومال مازال أقرب الى الحلم منه الى الواقع. * مراسل، عن «لوموند» الفرنسية، 4/10/2013، إعداد منال نحاس