بدد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو، في خطاب سياسي شامل ألقاه مساء أول من أمس في جامعة «بار إيلان»، مخاوف اليمين المتشدد من أنه يخطط ل «عملية سياسية دراماتيكية» تتضمن اتفاق سلام دائماً أو اتفاقاً مرحلياً يقوم على إقامة دولة فلسطينية واقتلاع مستوطنات في الضفة الغربية، إذ وضع اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل «دولة يهودية»، أي التنازل المطلق عن حق عودة اللاجئين إلى ديارهم، شرطاً من اجل إنهاء الصراع والتوصل إلى سلام فعلي. وفيما رحب أركان اليمين المتطرف بالخطاب، واعتبره رئيس «مجلس المستوطنات في يهودا والسامرة (الضفة الغربية)» سابقاً إيلي ديان «الخطاب الأفضل لنتانياهو رئيساً للحكومة»، رأت زعيمة المعارضة شيلي يحيموفتش أنه لا يحمل أي بشرى إنما يعيد نتانياهو إلى أحضان اليمين المتشدد. وجاء خطاب نتانياهو الذي أطلق عليه «خطاب بار إيلان 2» وحمل عنوان «رؤية رئيس الحكومة لإسرائيل لعام 2020»، بعد أكثر من أربع سنوات على «خطاب بار إيلان 1» الذي أعلن فيه نتانياهو للمرة الأولى قبوله حل الدولتين. وبدأ نتانياهو خطابه بالقول إن أهم التطورات في الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة هي «الخضّة التاريخية الحاصلة في العالم العربي والبعيدة من نهايتها، وأشكك إن كانت ستنتهي ... وطبعاً جهود ايران المتواصلة لتطوير سلاح نووي بهدف السيطرة الكاملة على الشرق الأوسط ... بينما الهدف الأبعد هو القضاء على إسرائيل». وتابع أنه في موازاة محاولات إسرائيل لجم المشروع النووي الايراني والحفاظ على اتفاقيتيْ السلام مع مصر والأردن، «فإننا مستعدون لإنهاء الصراع مع الفلسطينيين، والتوصل إلى سلام حقيقي وإلى الأمن الحقيقي، ليس على الورق فقط، إنما أمن حقيقي لنا لأولادنا ولأحفادنا». ورفض اعتبار القضية الفلسطينية لب الصراع في الشرق الأوسط وأساس عدم الاستقرار، وقال: «عندما يسألون عن جذور النزاع، ثمة رد جاهز بأنها في الاحتلال والأراضي (الفلسطينية المحتلة) والمستوطنات وما شابه ... وأنا أتساءل. أحقاً؟. النزاع من وجهة نظري بدأ عام 1921، يوم هاجم العرب الفلسطينيون بيت المهاجرين الجدد في يافا ... لم يكن الهجوم بدافع احتلالنا أراضي وإقامة مستوطنات ... كان ضد هجرة اليهود لأرض إسرائيل ... ثم جاءت الهجمات عام 1929 عندما تم تدمير البلدة اليهودية في قلب الخليل، وهجمات مماثلة على الوجود اليهودي... ثم كان قرار التقسيم عام 1947 الذي اقترح دولتين، عربية ويهودية لكن العرب رفضوه ... المشكلة آنذاك لم تكن مسألة الدولة الفلسطينية، إنما كانت وما زالت الدولة اليهودية». وتابع: «عندما تُسأل السلطة الفلسطينية عن استعدادها للاعتراف بإسرائيل دولة يهودية فإنها ترد بالنفي ... تقول إنها مستعدة للاعتراف بإسرائيل كدولة للشعب الإسرائيلي، لكن ليس هذا هو السؤال، إنما هل هي مستعدة للاعتراف بإسرائيل دولة يهودية، والرد حتى الآن هو بالنفي». وأضاف محذراً أنه ما دام الفلسطينيون يرفضون مثل هذا الاعتراف «فلن يكون هناك سلام فعلي». وقال مخاطباً الفلسطينيين: «مستعدون للاعتراف بدولتكم القومية، وعليكم أنتم أيضاً القيام ببعض التنازلات ... بينها عن حق العودة ... ومن أجل أن تكون العملية التفاوضية بيننا ذات مغزى، وكي تكون لها فرصة حقيقية للنجاح، من الضروري أن نسمع من القيادة الفلسطينية أنها تعترف بحق الشعب اليهودي بدولة إسرائيل ... أرجو جداً أن يتحقق ذلك كي نتمكن من التقدم نحو الحل الحقيقي للصراع. إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي، عليكم الاعتراف بالدولة اليهودية، وطالما لم تقوموا بذلك، لن يتحقق السلام، فقط عندما تعترفون بحقنا بدولة ذات سيادة لنا، سيتاح تحقيق السلام». وتابع أن الفلسطينيين يمكن أن يعودوا إلى حدود الدولة الفلسطينية لكن «بحسب شروط أمنية صارمة تبقى صامدة لأجيال». واعتبرت زعيمة المعارضة شيلي يحيموفتش خطاب نتانياهو «عودة إلى الوراء في نفق الزمن، ولا يحمل أي بشرى». وتابعت في حديث للإذاعة العامة أمس أن نتانياهو «عاد إلى اليمين المتطرف في حزبه بهدف استمالته واستمالة شركائه والأحزاب الدينية المتطرفة، ولا يخدم مصلحة إسرائيل». وأضافت أن نتانياهو غير مدرك أبداً رغبة الإسرائيليين في التوصل إلى تسوية تضمن دولة يهودية ديموقراطية. وزادت أن «الجمهور الإسرائيلي يحتاج الى التفاؤل في ظل الظروف التي يمر بها». وتابعت أن خطاب نتانياهو يعزز خيار الدولة ثنائية القومية «وهو الخيار الأخطر على اسرائيل»، مضيفةً أنه طبقاً للمعلومات المتوافرة لديها عن سير المفاوضات مع الفلسطينيين، فإنها متعثرة ولم تحقق أي تقدم «وهي مضيعة للوقت ومن دون جدوى». واعتبر المعلق السياسي لصحيفة «هآرتس» باراك رفيد خطاب نتانياهو الأخير «أكثر صقريةً وتطرفاً من خطاب بار ايلان 1، مع أنه لا يمكن القول إنه ينطوي على تراجع عن قبول حل الدولتين».