تستقطب مقاهي "ستاربكاس" الكثيرة في طوكيو جموعاً متواصلة من الشباب الياباني، إلا أن الجميع في العاصمة اليابانية لا يحبذون الماركة الأميركية. وتلقى سلسلة المقاهي الأميركية هذه رواجاً كبيراً في اليابان، بحيث أعلنت قبل فترة قصيرة أنها تنوي شراء شريكها الياباني بسعر 900 مليون دولار لتسيطر كلياً على العمليات في ثاني أكبر سوق لها في العالم. إلا أن الماركة الأميركية لا تحظى بتأييد الجميع مع ما تقدمه من مشروبات وخدمة "واي فاي" مجانية توفرها في أكثر من ألف فرع لها. وهي قد تتواجد قريباً في كل المناطق اليابانية بما في ذلك منطقة توتوري الريفية النائية. ويقول إيشيرو سيكيغوتشي البالغ مئة عام وهو صاحب مقهى "لامبر" القديم جداً في طوكيو "الطريقة التي يعدون فيها القهوة خاطئة تماماً. وطعمها ليس لذيذاً البتة". ويعجّ داخل المقهى الخشبي بأنواره الخافتة والذي لا يقدم سوى القهوة، بزبائن يرتشفون فنجان قهوة يكلف ستة دولارات ونصف الدولار. ويؤكد صاحب المقهى أنه الأفضل في اليابان. القهوة قوية وغنية مع نكهة راسخة، ويعتبر زبائن المقهى انها تستحق سعرها المرتفع وهو ضعف السعر المتداول لدى "ستارباكس". وعلى غرار الكثير من المقاهي المستقلة، يستمر مقهى "لامبر" بفضل زبائن أوفياء من بينهم المصارع الذي استحال سياسياً انطونيو اينوكي، في حين أن مقهى "باوليستا" المجاور يعتد بأن من بين زبائنه السابقين جون لينون ويوكو اونو. وارتشف أحد زبائن "لامبر" الأوفياء فنجان قهوة مصنوعاً من حبوب بن تحمّص يدوياً بعناية من قبل سيكيغوتشي والعاملين لديه، يومياً منذ خمسين عاماً، وفق ما يقول الرجل المعمر. وافتتح سيكيغوتشي المقهى العام 1948، عندما جعل جنود الاحتلال الأميركيون من القهوة سلعة شعبية في بلد كان الشاي الأخضر ملكاً متوجاً فيه منذ فترة طويلة جداً. وباتت اليابان اليوم رابع أكبر مستهلك للبن بعد الولاياتالمتحدة والبرازيل وألمانيا. وبعض الاستهلاك يأتي على شكل قهوة معلبة تقدم باردة أو ساخنة في أجهزة البيع الآلية. ويروج النجم الهوليوودي تومي لي جونز لإحدى هذه الماركات منذ ثماني سنوات. ويؤكد سيكيغوتشي "في اليابان يشرب الكثير من الناس القهوة، إلا أنهم يشربون قهوة سيئة"، مقدراً عدد المقاهي الجيدة فعلاً في اليابان "بنحو الخمسة". وبطبيعة الحال مقهاه هو من بين هذه المقاهي. وفي حين يمنع التدخين في مقاهي "ستارباكس"، يشكل السماح بذلك أحد العوامل أيضا التي تساهم في استمرارية المقاهي على الطراز القديم مثل "لامبر". ويوضح هيروشي ياماتو الطبيب وخبير التدخين في جامعة الصحة المهنية والبيئية في كيتاكيوشو في غرب اليابان "اليابان متخلفة جداً على صعيد سياسات مكافحة التدخين، لا سيما الإجراءات المتعلقة بالتدخين السلبي". ويؤكد "لا يزال التدخين مسموحاً في الكثير من الأماكن العامة في اليابان مثل المكاتب والمقاهي والمطاعم والحانات". وسيكوغوتشي الذي يدخن الغليون، يقول إن المقاهي الجديدة التي تمنع التدخين مخطئة "لأن الشخص الذي يتناول فنجان قهوة لذيذاً يريد أن يدخن التبغ بعد ذلك". ويتعالى دخان السجائر في أجواء مقهى "أروما" الواقع في الطابق الثاني من مبنى قديم قرب سوق تسوكيجي للأسماك في طوكيو. وفتح مقهى "أروما" أبوابه قبل ثلاثين عاماً خلال فترة الازدهار الاقتصادي التي شهدتها اليابان، وهو على غرار المقاهي القديمة لم يتغير كثيراً منذ ذلك الحين. وتشرب امرأة مسنة قهوتها المثلجة عبر قشة الى جانب ممرضتين لا تتوقفان عن التدخين. وتقول صاحبة المقهى جونكو كوشيبا (63 سنة) التي تدير المكان مع ابنتها "المقاهي الجديدة لا طابع لها، أما هنا وإن أتيت وحيداً يمكنك أن تتبادل أطراف الحديث مع آخرين". وتضيف وهي توزع الموز مجاناً على زبائن المقهى "يشعر الإنسان بالدفء هنا". ومع ان القهوة لدى "اروما" لا ترقى الى مستوى نوعية القهوة المقدمة في مقهى "لامبر" ، تؤكد كوشيبا أن شعبية "ستارباكس" والماركات العالمية الأخرى لن تتسبب في انتهاء موضة المقاهي القديمة في اليابان. وتختتم قائلة "هنا يمكن للمرء ان يسترخي ويأخذ وقته. اما الشباب الذين يرتادون ستاربكاس وما عدا ذلك من المقاهي المماثلة فلا يمكنهم ذلك لأنهم دائماً منشغلون على حواسيبهم وهواتفهم".