كانت درجة الحرارة تنخفض إلى الخامسة فوق الصفر في مدينة أستانبول، لكن مرأى المقهى القابع فوق تلة شامخا باسمه، رقيقا بأثاثه، يكفي لأن يبعث نسائم الدفء في قلبي.. انه مقهى «روميو وجولييت» الذي يدل على رومانسيته رسم قلبٍ على سطح الرغوة في كوب القهوة، في إشارة إلى أن الحياة تستحق منا الجمال، وخيل لي إن زواره ممن عنتهم فيروز بقولها «بتشرب من فنجانك وأشرب من عينيك». وقديما في اليابان كان صاحب المقهى يدعو فتيات الجيشا «وهن فتيات جميلات يتم تدريبهن على الفن والغناء وحسن الكلام منذ صغرهن» لتقديم الشاي لجذب الزبائن وبعد أن يقدمن الشاي، يتحدثن في السياسة والأدب والفن ثم يعدن إلى بيوتهن، وعلى الزبون أن يدفع أجرا مقابل وجود الجيشا باحترام. وحده المثقف من يعيش هذا التناغم بين المقهى والزبون، حتى بعد الفراغ من كوبه، لأنه يتعامل مع «القهوة» كشريك لأفكاره، ولم تخطئ هيفاء بيطار عندما قالت: «القهوة صديقة الانتظار!». ويذكر الروائي والصحفي الكولومبي والحائز جائزة نوبل للآداب، جابرييل جارسيا ماركيز، أن تبلور وعيه الثقافي والإبداعي يعود إلى مقهى «القطط الثلاث» في العاصمة الأرجنتينية بوينس ايرس. وكان مقهى «الواق واق» في أعظمية بغداد صاحب الفضل على العديد من الوجوه الثقافية منهم الشاعر بلند الحيدري والشاعر حسين مردان اللذان أسسا معا «مجموعة الوقت الضائع» التي سعت إلى القيام بحركة تجديدية على طاولات المقهى!. وفي القاهرة تربع مقهى «الفيشاوي» في حي الأزهر القديم على رأس القائمة المصرية، فقد أنشئ منذ ما يزيد على قرنين، واستمر العبق القديم ينبعث من الشاي في الأباريق المعدنية العتيقة، وكان بمثابة منزل العائلة الأم بالنسبة إلى مثقفي مصر، إذ لا يمكن أن يخلو بأي حالٍ من شاعر أو ناقد أو صحفي، وكان من رواده نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس وعباس العقاد، وفي جنباته دندن عبدالحليم حافظ أروع أغانيه، واتخذت على طاولاته أخطر القرارات السياسية من قِبل الزعيمين جمال عبدالناصر والسادات. أما «مجموعة السادسة والنصف صباحا»، فهي مجموعة شبابية نشأت في الرياض بدأت فكرتها مع رائد بن سعيد الذي كان يخرج كل صباح ليرتشف قهوته الصباحية في أحد مقاهي الرياض قبيل أن يذهب إلى جامعته، وكان إذا أراد الذهاب وضع على صفحته في الفيسبوك علامة تدل على أنه موجود في هذا المكان، فانضم إليه جمع من صحبه ثم كبرت المجموعة إلى أن تجاوزت أكثر من 55 جلسة صباحية «6: 30»، و34 خميسية حضرها أكثر من 600 شخص. وفي دبي ارتأى ثلة من المثقفين الشباب النهوض بالحراك الثقافي، فعقدوا لقاءاتهم في مقهى غربي النشأة يدعى «كاريبو»، يحاولون فيه وقف هيمنة التقنية الإلكترونية والخروج من بوتقة المدنية الصارخة في جو حميمي بارتشاف كوب من المكياتو مع مزيد من الرغوة، وقد زرته شخصيا أثناء انعقاد معرض الشارقة للكتاب. فوزية الخليوي