تصاعدت التجاذبات والملاسنات بين قيادة حزب «المؤتمر الوطني» الحاكم في السودان، وتيار الإصلاح في الحزب الذي قرر الرئيس عمر البشير محاسبته على جهره بنقد حكومته، كما تمدد التململ إلى تيارات أخرى مشاركة في الحكم، فيما دعا إسلاميون نظام البشير إلى التنحي «لانتفاء المبررات الأخلاقية لاستمراره». وحذر «تحالف القوى الإسلامية والوطنية» الذي أسسه إسلاميون أخيراً في مواجهة تحالف المعارضة القائم، من أن «المشهد السياسي في البلاد بات صراعاً بين مشروع علماني جاهز للانقضاض على السلطة ومشروع سلطوي يستبيح دم مواطنيه للبقاء في السلطة، ما وضع السودان أمام حافة أخطار مدمرة». وطالب التحالف الرئاسة في مذكرة أمس بحل الحكومة والبرلمان و «تشكيل مجلس رئاسي من شخصيات قومية، وتشكيل هيئة عليا من القوى الوطنية لإدارة البلاد خلال مرحلة انتقالية، وحكومة مهمات وطنية محايدة وفك ارتباط رئيس الجمهورية بأي انتماء حزبي أو سياسي، وإطلاق الحريات وإلغاء القوانين المقيدة للحريات وإقامة انتخابات حرة ونزيهة خلال عام». وكان التحالف الذي نشأ أخيراً على أرضية «الهوية الإسلامية» بقيادة عضو سابق في «المؤتمر الوطني» دعا الحزب الحاكم إلى الدخول معه في مفاوضات مباشرة لتحديد الكيفية التي يتم بها تسليم السلطة، ورفض قرار رفع الدعم عن المحروقات والسلع الأساسيَّة. إلى ذلك، كشف مستشار الرئيس السابق القيادي في الحزب الحاكم غازي صلاح الدين الذي يعد من أبرز رموز «تيار الإصلاح» في «المؤتمر الوطني»، رسالة بعث بها إلى رئيس البرلمان الذي كلفه البشير محاسبة الإصلاحيين. ورحب صلاح الدين في رسالته التي نشرها في صفحته على «فايسبوك» أمس بالمحاسبة، لكنه رأى أنها تأخرت أكثر من عشرين عاماً جرت فيها أحداث جسام في البلاد كلها جدير بالمراجعات والمحاسبات. ووصف قرار البشير بمحاسبته بأنه «قرار غير موفق لأنه يختزل مشاكل البلاد في نقطة إجرائية»، موضحاً أن الرسالة التي بعث بها مع زملائه إلى الرئيس بصورة مفتوحة سببها «حاجة عاجلة إلى تدخل فرضتها ظروف البلاد والاضطرابات التي هددت بضرب النسيج الاجتماعي، إلى جانب استحالة الوصول إلى الرئيس وتقديم مبادرات أصبحت هي إحدى أزمات المؤسسية في حزب المؤتمر الوطني». ورأى أن تشكيل لجنة المحاسبة بهذه الصورة «يوجه رسالة سلبية عن مدى الحرية المتاحة داخل الحزب ويثير أسئلة كثيرة عن الاستعداد الحقيقي لدى قادة الحزب لتقبل مبادرات وأفكار جديدة من المواطنين عموماً وبقية القوى السياسية». وأعرب صلاح الدين عن أسفه لربط قرار تشكيل لجنة المحاسبة بين إرسال الرسالة المفتوحة وخطط المعارضة لإسقاط النظام وضرب وحدة البلاد وأمنها، مشيراً إلى أن القرار بهذه الطريقة «يحمل في طياته تهديدات صريحة باستخدام الإجراءات الأمنية لحسم النزاع وهو ما سيشكل كارثة حقيقية على الممارسة السياسية برمتها». وأردف أن «الرسالة المفتوحة لا علاقة لها بشق حزب المؤتمر الوطني ولم يكن ذلك في نيات واضعيها، لكن الذي يؤدي إلى الانشقاقات هو الصمم عن سماع النصيحة، وسد قنوات الحوار، واستهداف الآخرين وإطلاق الاتهامات نحوهم من دون روية ولا ورع». وأشار إلى أن رسالتهم المفتوحة التي تطالب بإصلاحات في البلاد «وجدت قبولاً كبيراً من المواطنين عموماً، وكان الأجدر استثمار هذا الموقف لإحداث حراك سياسي جديد يخرج البلاد من أزمتها، لكن بخلاف المرجو تحول الهم كله إلى نقطة إجرائية لا تهم البلاد في شيء». ورأى أن «الأجدر بقادة حزب المؤتمر الوطني عدم الانصراف إلى معارك فرعية صغيرة، وبدلاً من ذلك عليهم توجيه طاقاتهم لمعالجة الأزمات الكبرى التي تحيط بالبلاد». في سياق مواز، حمل «تيار التصحيح والتغيير» في «الحزب الاتحادي الديموقراطي المسجل» المشارك في الحكومة في شدة على أمينه العام جلال الدقير الذي يشغل منصب مساعد رئيس الجمهورية ونائبه وزير الثقافة والإعلام أحمد بلال عثمان. واعتبر التيار في بيان أن الدقير وعثمان «جعلا من الحزب بوقاً من أبواق حزب المؤتمر الوطني الحاكم، وفرعاً من فروعه، وغدت مؤسساته مستباحة لتوجهات حزب السلطة في تحديد من يرغب في تعيينه من الوزراء والوظائف الأخرى». ورأى البيان أن «خلو منصب الرئيس لأكثر من ست سنوات جعل من الدقير الآمر الناهي في الحزب وحده». وتابع أن «سياسة الرجل الواحد أدت إلى مغادرة كثير من الكوادر المؤهلة لصفوف الحزب، ومن تبقى منها يقف بين يائس وواقف على السياج». ورفض البيان القرارات الاقتصادية للحكومة التي أدت إلى رفع أسعار السلع والخدمات، وطالب بالخروج من الحكومة وفض الشراكة مع الحزب الحاكم. وكانت قيادات «الحزب الاتحادي الديموقراطي» بزعامة محمد عثمان الميرغني طالبته الأسبوع الماضي بالانسحاب من الحكومة احتجاجاً على مقتل متظاهرين خلال احتجاجات ضد قرار الحكومة برفع الدعم عن المحروقات. وأوصت لجنة خاصة في الحزب شكلها الميرغني بسحب الوزراء الأربعة المشاركين في الحكومة السودانية واستقالة نجل زعيم الحزب جعفر الميرغني من منصب مساعد رئيس الجمهورية. ولم يصدر الميرغني الموجود في بريطانيا للعلاج، قراراً نهائياً بفض شراكته مع الحزب الحاكم. إلى ذلك، أفادت زوجة نقيب الأطباء السودانيين أحمد الشيخ أمس بأن السلطات السودانية أطلقت زوجها بعد أن اعتقلته على خلفية الاحتجاجات الأخيرة في البلاد. وقالت لولا يوسف إنه تم إطلاق زوجها بعد ساعات من اعتقاله السبت، وإنه جرى التحقيق معه بتهمة الدعوة إلى عصيان مدني. وكان نقيب أطباء السودان الذي يقود كياناً موازياً لاتحاد الأطباء الذي يسيطر عليه منسوبو الحزب الحاكم، قال إن عدد ضحايا التظاهرات الشعبية خلال الأيام الماضية وصل إلى 210 قتلى. وأشار إلى أن غالبية الإصابات تتركز في منطقتي الرأس والصدر ما يؤكد أنه تم استهداف مناطق قاتلة في الجسم. وأرسلت الهيئة النقابية للأطباء السودانيين في المملكة المتحدة والتي تضم حوالى 3000 طبيب، خطاباً إلى رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون يؤكد أن عدد قتلى التظاهرات داخل السودان بلغ 250 شخصاً. وقالت الهيئة إن عدد الضحايا يعتمد على إفادات من الأطباء في الداخل، مؤكدة وقوع 300 جريح خلال المواجهات الأخيرة. وأشارت إلى أن المصابين الذين يتمكنون من الوصول إلى مستشفيات البلاد المختلفة وهم في حال عصيبة يتم حرمانهم من حقهم الإنساني الأساس في الرعاية الصحية. وقال «حزب التحرير» أمس إن السلطات أفرجت عن 19 شاباً من كوادره ولا يزال 14 آخرون رهن الاعتقال، بعدما «أذاقوهم صنوفاً من التعذيب كالضرب والركل والإساءة والتجريح وتقييد بعضهم بسلاسل من حديد». وأشار إلى أنه «لم تشفع لبعض المعتقلين أعمارهم التي تجاوزت الستين عاماً، ولا مكانة بعضهم كونهم من أئمة المساجد والعلماء». وأضاف في بيان أمس: «نقول للسلطة الحاكمة في الخرطوم، لو كنتم تظنون أن سياسة الكبت والإرهاب وتخويف الناس وترويعهم ستبقيكم على كراسي الحكم المهترئة هذه، فقد خاب فألكم وطاش سهمكم فأين من كان أشدَّ منكم قوة وبطشاً؟».