ترددت في القاعات معزوفات وأغان مختلفة، بعضها عاد بذاكرة العراقيين إلى الخمسينات من القرن الماضي، وبعضها الآخر تناغم مع الفعاليات التي أقيمت في تلك القاعات الجميلة التي تروي تاريخ قرن ونصف قرن من الزمن. هذه هو حال مبنى «القشلة» صباح كل يوم جمعة، إذ يكتظ بالزائرين من الشباب وكبار السن، مثلما يزدحم بالفعاليات الجميلة التي تحكي قصصاً أخرى عن بغداد بعيدة تماماً عن تلك التي تتحدث عن السيارات المفخخة وصراخ الضحايا. أبنية وقاعات وحدائق... وساعة «القشلة» الواقعة في مقابل المركز الثقافي البغدادي في شارع المتنبي افتتحت منذ ستة أشهر، بعدما رممتها محافظة بغداد ووزارة السياحة والآثار، ضمن خطة لتأهيل الأبنية التراثية في العاصمة. الخطة تتضمن أيضاً إعادة تأهيل وترميم مبنى «دار الوالي» والمتصرفية القديمة قبل نهاية العام الحالي، وكذلك العمل على تنفيذ تعديلات جديدة على مبنى «القشلة»، كإنشاء بوابة جديدة تليق بالمبنى ونصب 12 مدفعاً تراثياً على نهر دجلة، فضلاً عن إقامة قصر ثقافي في المتصرفية وتطوير قاعات المتصرفية. كما تتضمن الخطة تنظيم «بازار» سياحي داخل «القشلة» ونصب لوحات لعرضها أمام الزائرين، وإنشاء متحف في الطبقة الثانية، واستثمار المناطق الأثرية والتراثية في العاصمة، مع تنظيم معرض آخر للولاة العثمانيين وعرض نتاجاتهم وأدواتهم ومراحل تاريخ حكمهم في العراق، مزوّدة بالرسومات والأزياء، فضلاً عن إنشاء متحف للتعريف بإنجازات العلماء المسلمين والابتكارات البغدادية. أما العنصر الأهم في عملية التأهيل، فهو إنشاء متحف للشمع لشخصيات تاريخية وسياسية وثقافية وفنية مختلفة في مبنى «القشلة»، على أن يضم تماثيل حوالى 150 شخصية تاريخية وسياسية وعلمية وأدبية ودينية، مثل العائلة المالكة العراقية ورؤساء الوزارات (منهم نوري السعيد ورشيد عالي الكيلاني)، وكذلك الشخصيات البارزة في فترة الحكم الجمهوري وأدباء (مثل علي الوردي ومصطفى جواد) والشعراء العراقيين (مثل بدر شاكر السياب ونازك الملائكة ولميعة عباس عمارة)، مع شخصيات معاصرة مثل مجلس الحكم الذي جاء بعد إسقاط نظام صدام حسين، وبعض الوجوه السياسية الأخرى. قاعات «القشلة» التي جرى تأهيلها ضمت نشاطات مختلفة واكتظت برواد تلك الفعاليات، ففي إحدى القاعات الموازية للمدخل، افتتح «معهد غوته» الألماني معرضاً فوتوغرافياً تحت عنوان «يوم في ألمانيا» ضم مجموعة من الصور التي تجسد الحياة اليومية في ألمانيا، وذلك ضمن فعاليات «بغداد عاصمة للثقافة العربية 2013». وبالقرب من ساعة «القشلة»، اجتمع زوار كثر في المكان لالتقاط الصور التذكارية مع الساعة، من دون أن يعيروا اهتماماً للعبارات التي كتبت حولها وتمنع الصعود إلى المكان القريب منها، كما تناوب الكثيرون لالتقاط صور قرب إحدى العربات المعروضة داخل المكان. مبنى «القشلة» الذي كان يمثل مقراً للولاة في عهد الحكم العثماني، والذي أهمل سنوات طويلة، بات يستقبل اليوم رواداً كثراً يوم الجمعة من كل أسبوع، وبات يمثل ملتقى ثقافياً وحضارياً بحكم قربه من شارع المتنبي.