يعيش الشاب نائل حسين مزاودة في التجمع البدوي القريب من قرية عناتا المتاخمة لمدينة القدس التي يفصلها عنها جدار الفصل العنصري... ولمزاودة حكاية مليئة بالتناقضات، فهو درس الإعلام والتصوير، فيما لا تتوافر في مكان سكنه حيث الخيم وبعض المنازل المصنوعة من «الزينكو»، خدمات الإنترنت أو حتى الحواسيب. مزاودة يكشف عن أن غالبية الشبان البدو يتوقفون عند الدراسة الثانوية، للتكاليف الباهظة للدراسة الجامعية في فلسطين، والتي تبلغ بالحد الأدنى 20 ألف دولار للسنوات الأربع في التخصصات غير المرتفعة الأقساط، إضافة إلى أن الشباب البدو أنفسهم يرون البطالة تزداد يوماً بعد يوم في صفوف من سبقوهم إلى التعليم، وبالتالي يتجهون إلى العمل في البناء والأشغال اليدوية لإعالة أسرهم. ويطالب «منتدى شارك» الشبابي و«مركز التمكين الاقتصادي للشباب» الحكومة الفلسطينية، والمؤسسات الحكومية والأهلية في فلسطين، بالالتفات إلى التجمعات البدوية في سياساتهم وبرامجهم القادمة، وتخصيص موازنات قادرة على دعم هذه التجمعات، ضمن خطة بعيدة المدى، تراعي تحقيق التراكم، وتواصل الجهود بين المؤسسات كافة. ويتحدث المدير التنفيذي ل «شارك» بدر زماعرة عن «المبادرة الوطنية لمناصرة التجمعات البدوية» التي أطلقها المنتدى: «آن الأوان، لكي يتم التعامل مع الفئات المهمشة في المجتمع الفلسطيني، كالتجمعات البدوية، ضمن سياسات تعطيهم تمييزاً إيجابياً، تبدأ بتوفير الحاجات الإنسانية الرئيسية، وصولاً إلى ضمان دمجهم ومشاركتهم الكاملة في المؤسسات التمثيلية ومؤسسات صنع القرار، ومن دون أن تبنى هذه السياسات على قاعدة تعزيز صمودهم، للحفاظ على الطابع الفلسطيني للمناطق المهددة بالمصادرة والاستيطان أولاً، والحفاظ على الأرض ثانياً، فإن هذه السياسات لن تعدو كونها إغاثية، كالتي درجت عليها المؤسسات لعقود مضت من دون أن تحقق نتائج تذكر». ويضيف: «مسؤوليتنا المشتركة تقتضي منا أن نذهب إلى الناس... إلى كل المهمشين وأصحاب المظالم، والذين يزرحون تحت أشد الإجراءات الإسرائيلية عنصرية، من أجل تعزيز تواجدهم ونضالهم المعيشي والوطني». ويؤكد زماعرة أن «ما يزيد التحديات التي تمر بها التجمعات البدوية في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة عام 1967، أنها عانت تهميشاً رسمياً حكومياً وأهلياً وتفضيلها العمل في التجمعات المدينية والريفية، على العمل في التجمعات البدوية التي تعاني وضعاً معقداً، يفتقر حتى إلى أبسط الحاجات الإنسانية التي تكفل العيش الكريم، كالماء والكهرباء والتعليم وحتى الغذاء». ويوضح أن «كل هذا التهميش للتجمعات البدوية يأتي في ظل تركز كل السياسات الإسرائيلية في العقدين الأخيرين على التضييق على سكان هذه التجمعات البدوية، لدفعهم إلى مغادرة الأراضي التي يسكنوها والتي تشكل مصدر رزقهم، سواء تعلق الأمر بالزراعة أم المراعي، حتى أن الإجراءات الإسرائيلية تلك باتت تطاول حتى التجمعات البدوية داخل الخط الأخضر لكون الاحتلال والاستيطان في جوهرهما واحد، وشعبنا في دائرة الاستهداف الدائم على طرفي الخط الأخضر». ويشدد زماعرة على أن «التوزيع العادل للخدمات ومجالات تنفيذ المشاريع التنموية، وبخاصة تلك التي تعزز صمود المواطنين على الأرض، لا بد أن تنظر بعين الأولوية إلى التجمعات البدوية التي يربو عدد أفرادها في الأراضي الفلسطينية على أربعين ألف مواطن، غالبيتهم يقطنون المناطق المصنفة ج، والتي تخضع لسيطرة الاحتلال بالكامل، وحيث يحظّر البناء أو إقامة أي مشروع في أكثر من 70 في المئة من مساحة هذه المناطق». ويتابع: «تراكمت الخبرة والقناعة لدى المنتدى بأن إحدى أكثر الفئات تهميشاً وأولوية في المجتمع الفلسطيني هي التجمعات البدوية، وبخاصة تلك التي تقيم في المناطق المصنفة ج، ومن ضمنها الأغوار، حيث صمم المنتدى عدداً من التدخلات وعمل على تنفيذها، من خلال مشروعين رئيسين هما «صوتك مسموع»، و»لنقف معاً»، مشدداً على أن حاجات البدو تتمحور حول ثلاثة مجالات هي: التعليم، الاقتصاد والتهميش». ويدعو زماعرة إلى «العمل للحفاظ على الثقافة البدوية، وإبرازها ضمن الهوية الثقافية الفلسطينية، والعمل لإطلاق حملة دولية لفضح السياسات والممارسات الإسرائيلية بحق البدو، ودعم وجود جهة رسمية تمثل البدو وتدافع عن حقوقهم ومطالبهم في الحكومة الفلسطينية والمجالس المحلية القريبة من أماكن سكنهم».