فيما كان للشباب في العالم حضور إيجابي طاغٍ في العام المنصرم، والذي عرف باسم «عام الشباب»، كان للشباب الفلسطيني حضور طاغ أيضاً لكن في اتجاهات ليست إيجابية إلا ما ندر، فكان قمع المؤسسات الشبابية الذي توج أخيراً بقيام حكومة «حماس» في غزة بإغلاق منتدى «شارك» الشبابي، وكان التهميش على أشده اذ لم تشتمل اللجنة العليا للوفد الفلسطيني لمهرجان الشباب في جنوب أفريقيا على أي شاب يقل عمره عن خمسة وخمسين عاماً، فيما يتواصل الحضور الشكلي لبرلمان الشباب الفلسطيني الذي تشكل بمبادرة مؤسسة أهلية في نابلس، وبمباركة من الرئيس الفلسطيني محمود عباس. أما على صعيد الاحتلال الإسرائيلي فتواصلت الهجمة وبشراسة ضد الفلسطينيين، وبخاصة الشباب منهم، فالاعتقالات سجلت أرقاماً قياسية في أوساطهم وفق الإحصاءات الرسمية عام 2010، وكذلك نسبة الإصابات في التظاهرات السلمية خصوصاً تلك التي تنظم كل جمعة ضد جدار الفصل العنصري والاستيطان في عدد من المناطق في محافظات رام الله، بيت لحم والخليل، وفي القدس أيضاً. وعلى رغم أن عدد الشباب الفلسطيني يفوق ما نسبته 65 في المئة من إجمالي العدد الكلي للفلسطينيين، لا يحظى هؤلاء بنسبة تزيد عن 1 في المئة من المناصب الرفيعة، بل تكاد النسبة تقترب من الصفر. وفيما يشغل شباب العالم مناصب رفيعة على مستوى الأحزاب السياسية، وحتى الحكومات، لا يوجد سوى فلسطيني واحد في نهاية الثلاثينات من العمر في المجلس الثوري ل «حركة التحرير الوطني الفلسطيني» (فتح)، الذي يرأسه الرئيس الفلسطيني محمود عباس نفسه، والذي يبلغ عدد أعضائه 140. أما على صعيد اللجان المركزية في الأحزاب المختلفة، وفي الحكومة الفلسطينية في الضفة الغربية، والحكومة المقالة في قطاع غزة، فلا شباب. وفي تعقيبه على واقع الشباب الفلسطيني في العام 2010، أصدر منتدى «شارك» الشبابي، وهو المنتدى الأهلي الأكثر فعالية في الأراضي الفلسطينية، بياناً، قبل أيام جاء فيه أن «عام 2010 عزز من خيبة الأمل التي يعاني منها الشباب الفلسطيني، والناتجة من تصاعد شعورهم بالإحباط والخيبة تجاه الأحزاب السياسية الفلسطينية وعدم ثقتهم فيها كنتيجة حتمية للانقسام الداخلي، وبسبب القيود المشددة على الكثير من المجالات الرئيسية لمشاركة الشباب وتعزيز دورهم المجتمعي، ومن المخاطر الصحية والنفسية الناجمة عن اعتداءات قوات الاحتلال الإسرائيلي واستهدافها القطاع الشبابي على وجه الخصوص، وارتفاع نسب الفقر ومعدلات البطالة بخاصة بين أوساط الخريجين الجدد». ويحذر بدر زماعرة، المدير التنفيذي للمنتدى، من الظواهر التي تعرض لها الشباب الفلسطيني خلال العام الماضي 2010، وتطلعاتهم وآمالهم في العام الجديد 2010. ويقول: «المخاطر الناشئة عن الإضعاف المتواصل للشباب تعزز إمكان تحوله إلى طاقة تدميرية لا يسلم منها المجتمع الفلسطيني ككل»، مشدداً على ضرورة «الارتقاء بفرص مشاركة الشباب في الحياة المدنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية ووقف حالات الاستقطاب الحادة التي يتعرض لها الشباب في شقي الوطن». ويؤكد زماعرة أن «معدلات البطالة المتصاعدة بين الشباب الفلسطيني تجعلهم منكشفين وهشين وفي الغالب يفتقدون الحس بالهدف والقدرة على اكتساب الموارد الضرورية»، مشيراً إلى أن «الضائقة الاقتصادية في الأراضي الفلسطينية المحتلة آخذة في التوسع، وان البطالة تخلق مجموعة واسعة من العلل الاجتماعية التي يكون الشباب عرضة لآثارها المدمرة»، ومنتقداً بشدة «إحباط الشباب بسبب غياب التشريعات الخاصة بهم». ويلفت الى أنه «لا يوجد في القانون الأساسي الفلسطيني ما يحمي حقوق الفئات الشابة». ويجد زماعرة أن الكثير من «الإحباط الشبابي يأتي من تردي مستوى الحماية الاجتماعية وفرص الأمن والأمان والسلامة والصحة المهنية، فكثير من الحوادث التي تعرض لها الشباب اخيراً ناتجة من انعدام معايير الصحة والسلامة المهنية». وقال: «مثال على ذلك كارثة العمل في أنفاق غزة وما تشكله من تهديد وانعدام أي نظرة للحياة الكريمة بالإضافة الى تهتك النسيج الاجتماعي والقيمي لدى الكثير ممن يعملون تحت تلك الظروف المأسوية». ويشدد زماعرة على إصابة الشباب الفلسطيني بشكل متزايد بخيبة أمل من الحياة السياسية وخوفه من الانخراط في الفصائل وعدم قدرته على تأمين فرص العمل والكفاح حتى لملء أوقات فراغه، «بل حتى الخوف من التعامل مع الأحزاب، وهذا الانفصال عن السياسة الحزبية يتعلق جزئياً بخيبة الأمل وعدم الإيمان وعدم الثقة بالفصائل الفلسطينية، وحتى قبل وصول النزاع الداخلي الفلسطيني إلى ذروته الدموية في حزيران (يونيو) 2007»، محذراً من «الآثار المدمرة على الشباب وسلامة حياتهم بسبب الانقسام السياسي والجغرافي الداخلي بين الضفة وغزة، والعنف الداخلي والقمع السياسي من الممارسات الشائعة». ويحمل زماعرة الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن المخاطر الصحية والنفسية والجسدية التي يتعرض لها الشباب الفلسطيني «من خلال استمرار سلطات الاحتلال في انتهاك قانون حقوق الإنسان الدولي والقانون الدولي في ما تمارسه من أفعال ضد المدنيين الفلسطينيين، اذ يتواصل تدهور الصحة البدنية والنفسية للفلسطينيين الشباب، فيما يلقي العنف بظلاله على واقعهم اليومي»، مطالباً الحكومة الفلسطينية، ومؤسسات المجتمع المدني، بالعمل «على تعميم تقديم الخدمات والبرامج الشبابية القادرة على تخفيف بعض العواقب الوخيمة للاحتلال والنزاع الداخلي على أقل تقدير». ويطالب بالتزام الدول كافة «بإجبار إسرائيل على الامتثال للقانون الدولي، بدءاً بإنهاء الحصار على غزة، والوقف المطلق للاعتداءات العنيفة ضد الشعب الفلسطيني، وانتهاء بوضع حد لستة عقود من الاحتلال والهيمنة الاستعمارية». ويشدد زماعرة على وجوب أن يحصل الشباب الفلسطينيون على المساحة التي يمكنهم فيها أن يفكروا ويعملوا ويسعوا لتحقيق أهدافهم، وتوسيع القدرة على الوصول إلى المرافق الترفيهية والرياضية والاجتماعية والصحية بالنسبة للفئات التي تفتقر إليها، مؤكداً أن ما تحدث عنه هو لسان حال غالبية الشباب الفلسطيني من الجنسين.