بعد تنامي عمليات التحرش والعنف اللفظي والجسدي في المدارس الكندية وما احدثته من قلق وخشية لدى الرأي العام، تداعت المؤسسات التعليمية الى اتخاذ اجراءات وقائية قضت بتركيب كاميرات ذكية ذات كفاءة تكنولوجية عالية لمراقبة ما يجري داخل حرم المؤسسات التعليمية ومحيطها الخارجي. وجهزت كل مدرسة ابتدائية بست كاميرات وكل ثانوية بخمس وثلاثين. وبلغت تكاليفها اكثر من اربعة ملايين دولار. وكشف الناطق بلسان اللجنة المدرسية في مونتريال آلان بيرون ان «الباعث وراء تلك الإجراءات الأولى من نوعها، هو فشل المدارس في مكافحة التحرش الذي يتسبب بانتحار بعض الطلاب الكنديين بين الحين والآخر؛ في إشارة الى انتحار الطالب تود لويك (15 سنة) مطلع أيلول (سبتمبر) الماضي في احدى مدارس مقاطعة ساسكتشوان. وفي هذا السياق اظهر استطلاع شمل 2546 طالباً وطالبة في 32 مدرسة ابتدائية ومتوسطة، ان محاولات الانتحار الناجمة عن التحرش بين عامي 2007 و2012 بلغت 2.7 في المئة وأن حالات الانتحار الفعلية وصلت الى عشر، سبع مراهقات وثلاثة بالغين. وجميعهم قضوا ليلاً في غرف مقفلة، وتناولوا عقاقير قاتلة، ما خلا حالة واحدة شنقاً. كما اشارت دراسة تربوية اجريت حديثاً في 25 مدرسة ابتدائية و5 متوسطة، الى ان الترهيب (Intimidation) يندرج في دائرة «العنف اللفظي» الذي لا يختلف عن العنف الجسدي الا بالدرجة، وغالباً ما تكون مقدمة له سواء في العالم الافتراضي ام في حرم المؤسسات التعليمية. ولفتت الى ان الضحايا يتعرضون الى اسوأ ما في قاموس العنف اللفظي من مفردات الترهيب والتخويف والتهديد والسخرية والتهكم والترويع وغيرها من العبارات والألفاظ التي تخلف القلق والاضطراب والإحباط والانطواء على الذات والجروح النفسية البليغة وصولاً الى الانتحار. والغريب، تقول احدى المعلمات كريستين كاردان، «اننا لا ندري كيف نفصل بين التحرش والعنف ومتى ينبغي ان نتدخل وغالباً ما يأتي تدخلنا بعد فوات الأوان وحصول الأسوأ». وتحت شعار «لا خوف ولا عنف» تم تركيب كاميرات مراقبة في معظم المدارس الابتدائية والمتوسطة اقتداء بتجربة المدارس الأميركية المجهزة بأكثر من 70 في المئة بكاميرات مماثلة. وتقوم هذه الأجهزة بمراقبة وتصوير اي حادث مشبوه او اي سلوك عدواني يجري طيلة الدوام اليومي في الملاعب والممرات الداخلية وقاعات الدراسة والرياضة والكافيتيريا والأدراج والحمامات. ويجري تفعيلها، كما تقول بريسيليا كوتيه المسؤولة عن التدخل ضد العنف في المدارس الكندية، «بشبكة من التدابير الاستباقية تقضي بتدخل جميع الموظفين في المدرسة من اساتذة ومرشدين وإداريين وممرضين وعمال، لحظة شعورهم بامكان وقوع اي تخويف او تهديد والعمل لحله قبل ان يتطور الى حالة عنف جسدي». وتضيف: «الأهم في كل ذلك ان يشعر الطلاب انهم تحت عيون الكاميرا في كل وقت ومكان داخل المدرسة ومحيطها». وأثار قرار الاستعانة بكاميرات المراقبة تبايناً في مواقف الأوساط التربوية. فقد اعلنت مندوبة لجان الأهل نيفين لاروا انه «لم يطلب رأينا مسبقاً ونعتقد ان التدخل الإنساني لمكافحة التحرش في مدارسنا هو الأهم والأكثر فعالية ولا يحمل المكلفين اعباء ضريبية اضافية». اما مدير «مركز الوقاية من العنف» روبير ايجيس فلا يحبذ أيضاً مراقبة الكاميرا، بل تكليف عناصر الهيئة التعليمية والإدارية وتدريبها على التدخل السريع، ويعتقد ان «الغاية ليست ضبط حالات التحرش وإنما معالجتها وحلها قبل ان تتفاقم». ويشبه عمل الكاميرا «بدرع مثقوب وعيونها لا تصل الى جميع الزوايا المراد مراقبتها في المدارس».